يعيد الكاتب فواز طرابلسى نشر مقاله عن نظرية المؤامرة كخطوة لمراجعة الحدث تاريخيًا. يقول فى مقاله كم هى مريحة «نظرية» المؤامرة مريحة ولكنها ليست بريئة وهى التى تصوّر وتتصوّر المؤامرات على شاكلتها. هى نظرية مغرضة من حيث لا تدرى أحيانا، ومن حيث تدرى تماما معظم الأحيان. تخدم ذوى السلطة والثروة، وتخدم مَن يفترض أنهم هم المتهمون بحياكة... المؤامرات.
نظرية «المؤامرة» الأثيرة عندنا هى مؤامرة سايكس بيكو. استحكمت بنا «عقدة سايكس بيكو» بحيث لم نعد نرى من الوطنية والقومية إلا جدل الوحدة / التفتيت، ولا نحن نلتقط من الإمبريالية إلا مؤامرات تفتيت الأمة إلى كيانات إثنية طائفية تبرّر وجود إسرائيل. وسايكس بيكو مريحة قدر ما هى مريبة. وأنت ساذج إن أنت سألت: لماذا المؤامرة هى هى لا تتغيّر منذ الحرب العالمية الأولى؟ وكيف أن المؤامرة دوما «مكشوفة» ما دامت المؤامرة تعريفا هى ما يحوكه أكثر من طرف واحد وينوى تنفيذه بشأن طرف ثالث من غير علمه وغالبا ضده؟ والأدهى: ما دامت المؤامرة مكشوفة فكيف أمكن أن تحقق كل هذه النجاحات؟
«نظرية المؤامرة» تلغى التاريخ وتعطّل الذاكرة، وتبدأ من الحاضر وتفسّره لنا على أنه استمرار وتكرار لماضٍ متواصل. هكذا فإن انفصال جنوب السودان مثلًا، إن هو إلا تتويج لمؤامرة منذ الاستقلال عن بريطانيا، يحوكها الاستعمار والإرساليات المسيحية الأجنبية.
كم هى مريحة «نظرية» المؤامرة للحكّام. تسمح للحاكم بأن يعلن عن نفسه كاشفا للمؤامرة ما يؤكّد حكمته ودهاءه ويبرّئه من أى ذنب أو مسئولية أو محاسبة ما دامت المؤامرة «مؤامرة». صرّح عمر البشير بأن انفصال السودان «مؤامرة صهيونية عالمية ضد السودان» وأعلن أنه كان على علم بمخطط تفتيتى يتعدى السودان إلى عدد من الدول العربية. لم يذكر البشير فى المؤامرة الطرف الأمريكى النافر الحضور فى تأييد الانفصال السودانى وتيسيره. ولا ذكر الرئيس السودانى المطارَد من القضاء الدولى لماذا قرّرت واشنطن فجأة رفع اسم السودان عن لائحة الدول الداعمة للإرهاب. فلعل حديث «المؤامرة» كان يخفى مؤامرة حقيقية.
فكم أن فكرة «المؤامرة» مريحة للكسل الفكرى وللعجالات الصحفية التى تقرّش الكلمة فيها حسب سعر برميل النفط. المؤامرة مستمرة منذ سايكس بيكو. وتأكيدا لها استخرج إعلاميون وسياسيون ومدوّنون على الإنترنت خريطة لتقسيم «الشرق الأوسط الكبير»، تشير إلى النية فى إعادة تقسيم المنطقة بناء على رؤية إثنية، مذهبية، دينية، لا تزال محكومة بالغضب الأمريكى على العربية السعودية لتصديرها الإرهابيين إلى نيويورك فى 11 سبتمبر 2001.
فصدّق أو لا تصدّق أن الولايات المتحدة ترغب فى تقسيم دولة السلالة الحاكمة الأقرب إليها من بؤبؤ العين إلى ثلاثة أجزاء ووهب أحدها إلى خصوم السعوديين التاريخيين، السلالة الهاشمية الحاكمة فى الأردن! وعليك أن تصدّق الخريطة بأن أمريكا سوف تبنى كردستان الكبرى على حساب النظامين الحليفين فى تركيا والعراق. وعليك أن تصدّق أيضا أن أمريكا عند المفاضلة بين سوريا ولبنان، سوف تؤثر بلاد الأرز، فتقتطع ساحل سوريا على البحر الأبيض المتوسط وتهبه للبنان ليستكمل بذلك وحدة «الساحل الفينيقى» (وعليك أن تنسى طبعا أن الساحل الفينيقى كان يصل إلى غزة وما بعد غزة).
لم يتنحنح إلى الآن صحفى أو مفكّر أو مؤرّخ ولا عكس أى منهم عطسة واحدة، أو مدّ أحدهم رجله، تعجبا أو تشكيكا تجاه هذه الخرطة المسماة خريطة. بمثل هذا المخزون من الخرافات نقاوم مصالح الدول الغربية والسياسات.
وقف المفكّر العربى الكبير ياسين الحافظ ذات مرة أمام نظريات «المؤامرة». وقدّم اقتراحا يضىء نقدها ويقترح البدائل. دعانا إلى أن نستبدل «مؤامرة» بـ«مصالح». وأردف داعيا إلى أن نبلور مصالحنا الوطنية والقومية والديمقراطية والاجتماعية ونناضل من أجلها.