من المذياع تنطلق أغنية موسيقار الأجيال عالية شجية ونرى على الشاشة الأستاذ «أحمد إبراهيم» عائدا من عمله يشير لكل جيرانه فى الحارة بالسلام حتى يتوقف أمام عم «محمود المكوجى» فلا يستطيع أن يحييه نفس التحية «الخيخة» التى حياها للجميع، يندفع الأستاذ «أحمد» فى فورة حماسة ــ تحكمه مشاعر الحب والمودة وذكرى «الديسكاونت» اللى عملهوله على البدلة اللى أجرهاله يوم فرح بنت الجيران ــ ليسلم على صديقه بحرارة ويقبله من الوجنتين ،هنا يتوقف «عبدالوهاب» عن الغناء وينطلق الصوت الحازم من المذياع « من حكمدارية العاصمة لـ«أحمد إبراهيم» القاطن بدير النحاس..لا تقبل عم «محمود» المكوجى..
عم «محمود» المكوجى فيه سم قاتل.. عم «محمود» المكوجى فيه سم قاتل».. يبتعد «أحمد» عن «محمود»و ينظر له بفزع ثم يسقط فورا مغشيا عليه ثم نسمع صوت «إيناس جوهر» تعلن شعار الحملة فى دلال «لو بتحبنى وخايف عليا..بلاش تبوسنى فى عينيا» .
هى دى بالظبط نوعية إعلانات التوعية اللى إحنا فى حاجة ليها دلوقت بعد أن أعلن «المجلس القومى للبحوث» حملة الحرب على القبلات.. على حسب كلام أعضاء المجلس فالعادة المصرية فى السلام وتبادل القبلات بين الأصدقاء والمعارف قد تتسبب فى نقل أكثر من 15 نوعا من الأمراض معظمها أمراض تتعلق بالجهاز التنفسى لكنها قد تصل لانتقال فيروس الكبد الوبائى «بى».
وفى عز تصدر بلدنا ــ بلا فخر ــ لقمة الدول التى تنتشر فيها إنفلونزا الطيور وتوقع الجميع لها أن تتمتع بنفس التفوق والصدارة بخصوص إنفلونزا الخنازير التى تنتقل الآن عن طريق إفرازات الجهاز التنفسى من إنسان لآخر فالحملة تبدو مهمة ويبدو أننا سنكون فى حاجة ماسة إليها وإلى التخلى عن تلك العادة السخيفة اللى مش فاهمة لازمتها أساسا إيه؟
أصل أى نظرة على أى مجموعة من المصريين فى أتوبيس أو ميكروباص أو حتى تاكسى هتعرف وتتأكد إن ماعادش حد طايق حد من أصله، يعنى موضوع السلام الحار ده كله شكل اجتماعى أو بمعنى أصح نفاق اجتماعى مالوش أى محل من الإعراب لكننا كالعادة بنعتبرها من المسلمات بل وبنجد لها أسسا شرعية..
فهى سنة بالظبط زى ما تقبيل يد إمام الجامع عند البعض سنة وزى ما لبس الحداد 10 سنوات سنة وزى ما حرمان السيدات من قيادة السيارات وحرمانهن من الميراث وحرمانهن من التعليم فى بعض البلدان المجاورة سنة..جربى تقولى لبعضهم إنك بتقرفى من الحنة هتكونى فى نظرهم منكرة للسنة ونهارك هيبقى ماطلعتلوش شمس..
جرب تقول إنك بتكره ريحة المسك اللى بيحطوهولك البعض فى إيدك وقت صلاة الجمعة ليلتك هتبقى أسود من ليلة ماتش الجزائر والمنتخب.. بلاش.. جرب تقول لـ«حمادة» اللى أخد عربية باباه وطار بيها ودشدشلك عربيتك إنك عايزة يدفع تمن اللى بوظه هتلاقى الكل بيسمعك السلام الوطنى المصرى الجديد يا أخى الكلام ده مش من السنة «إنت هتقبل العوض؟».. والسنة بريئة من عادات نتوارثها وكلام بنردده زى البغبغانات والقاعدة الفقهية معروفة «لا ضرر ولا ضرار».
نرجع للحملة.. ابن بار يقبل رأس والده فيرفع يده ويلطشه قلمين «إنت عايز تعدينى يا كلب؟».. شاب وخطيبته على الكورنيش يقبل وردة ويعطيها لها فترميها بامتعاض متحدثة بصوت رومانسى رقيق «يا حبيبى مش قلنا بلاش القرف ده؟»..
يرمى مواطن قبله للرئيس الأمريكى فى أحد المؤتمرات الصحفية فيرتمى الحرس الخاص ليحموا الرئيس من القبلة القاتلة ونسمع صوت شعبولا ــ الذى لا تنجح أى حملة توعية إلا عن طريق صوته الرخيم ووعيه الوطنى «العميك» ــ متغنيا بالأغنية عابرة الأجيال «بلاش تبوسنى فى عينيا دى البوسة فى العين تفرق ..إيييييه..إييييه»..بس خلاص.