العاملون فى جريدة «الشروق» وكل المؤسسات والهيئات والبنوك الموجودة فى شارع محمد فهمى السيد أو «رستم سابقا»، فوجئوا بمنع انتظار السيارات تماما طوال يوم أمس الأول الثلاثاء، والسبب هو احتفال السفارة الأمريكية ــ التى تقع خلف هذا الشارع فى مواجهة السفارة البريطانية ــ بعيد الاستقلال مبكرا، بدلا من ٤ يوليو المقبل، الذى يصادف أحد أيام شهر رمضان الكريم.
لبيت دعوة حضور الحفل من السفير الجديد بيكروفت للمرة الأولى، الحضور من الدبلوماسيين الأجانب كان كثيفا، لكن الحضور الرسمى المصرى لم يكن كذلك، بل إن القاعات الكبرى التى كانت تمتلئ عن آخرها قبل يناير ٢٠١١ لم تعد كذلك، وربما هذا ما دفع السفارة إلى إقامة الاحتفال فى الحديقة بدلا من الداخل، وعلى بوابة الدخول كانت إجراءات الأمن مشددة بشكل غير مسبوق.
الاضطراب الذى يهيمن على علاقات البلدين منذ أربعة أعوام، ألقى بظلاله على التفاعل الشعبى المصرى فى المناسبات الاجتماعية والسياسية التى تقيمها السفارة.
أعرف الكثير من المصريين الذين لا يلبون دعوات السفارة، بعضهم اعتراضا على السياسة الأمريكية تجاه مصر، وبعضهم حتى «يشترى دماغه» خوفا من اتهامه بأنه طابور خامس أو متمول أو ناشط أمريكى أو أن لديه أجندة!!.
سألت أحد المصريين المطلعين على تفاصيل علاقة البلدين، عن تفسيره لعزوف بعض المصريين عن احتفالات السفارة، فقال إنه بطبيعة الحال، لا يمكن إغفال التوتر الحالى، وأن القاهرة لاتزال مصدومة من تفسير بعض المواقف الرسمية الأمريكية مثل الإصرار على وجود علاقة رسمية وعلنية مع جماعة الإخوان، وكأنها تريد أن «تخرج لسانها» لإرادة غالبية المصريين الرافضين للجماعة وممارساتها.
لم أرَ وزيرا مصريا فى الاحتفال، وفى الأوقات العادية قبل الثورة، كان أكثر من نصف مجلس الوزراء يذهبون إلى هناك، ومن رأيتهم من المسئولين الذين ذهبوا لم تكن علامات الراحة الحقيقية بادية عليهم.
عندما خرجت من السفارة ذهبت إلى«نادى العاصمة» فى العمارة المجاورة مباشرة لحضور احتفال الزميلة «المصرى اليوم» بمرور ١١ عاما على صدورها، وتهنئة الزملاء والأصدقاء هناك على هذه المناسبة. هناك قابلت العديد من الزملاء الذين تلقوا دعوات لحضور الاحتفال بعيد الاستقلال الأمريكى، لكنهم لم يذهبوا رغم أن «الباب فى الباب» كما يقولون.
أحد النشطاء الحقوقيون، قال لى ساخرا: «أنا متهم بأننى متحول وعميل أمريكى، وعشان كده مش ناقصة كمان أروح السفارة!!».
حقوقى آخر قال لى إن السياسة الأمريكية تجاه مصر متخبطة وعشوائية، وقد تتسبب فى كارثة لكل المنطقة، بل وللمصالح الأمريكية الاستراتيجية.
السفير الأمريكى تحدث بصورة جيدة خلال كلمته، حينما أشار إلى أن صورة الهرم على الدولار الأمريكى تذكر وتفكر الأمريكيين دائما بعظمة مصر وحضارتها، وحاول السفير الجديد أن يهرب من المشكلات السياسية الراهنة إلى ما هو أبقى وأهم مثل نموذج أحمد زويل وغيره من النماذج المصرية الكثيرة الناجحة فى المجتمع الأمريكى.
لكن حتى الآن فإن التوتر المكتوم أو الجفاء فى العلاقات الرسمية، لم يصل تأثيره الكامل على العلاقات الشعبية، لاتزال طوابير المصريين الراغبة فى الهجرة المؤقتة أو الدائمة لأمريكا كما هى، وربما زادت بفعل الأوضاع الاقتصادية التى لم تستقر بالكامل هنا فى مصر.
نعم هناك مصريون صاروا يتشككون فى نوايا الولايات المتحدة، لكن القطاع العريض لاتزال لديه صورة إيجابية للغاية عن المجتمع الأمريكى، التى يفصلها بالكامل عن علاقات الحكومتين.
غالبية المصريين مثل أى شعب طبيعى فى العالم منبهرون بالنموذج الأمريكى فى السينما والفنون وكرة السلة والاختراعات المتوالية مثل الإنترنت والفيس بوك وتويتر ويوتيوب وجوجل، والموضة، والطب.
خلاف غالبية المصريين ليست مع الشعب الأمريكى، بل مع الإدارة الأمريكية فى البيت الأبيض، ومجلس الأمن القومى حول أن الإخوان المسلمين هم جزء من المشكلة وليسوا جزءا من الحل.