فوز أول امرأة برئاسة المكسيك - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فوز أول امرأة برئاسة المكسيك

نشر فى : الثلاثاء 11 يونيو 2024 - 6:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 11 يونيو 2024 - 6:30 م

لقد حدث تطور كبير ولأول مرة فى المكسيك منذ استقلالها عام 1821 عن إسبانيا، وذلك بفوز كلاوديا شينباوم (62 سنة) برئاسة المكسيك فى الانتخابات التى أجريت فى 2 يونيو 2024، وجاء فوزها غير المسبوق بحصولها على 60% من أصوات الناخبين، وهى نسبة لم يحصل عليها أى من الرجال الذين فازوا برئاسة المكسيك منذ الاستقلال حتى الآن. والجديد أيضا أن المنافسة الرئيسية لها من اليمين كانت امرأة هى سوتشيل جالفيس، مرشحة أحزاب المعارضة اليمينية وحصلت على نحو 29% من الأصوات. أما المرشح الثالث من الوسط فهو خورخى ألفاريس وحصل على 11,5% من الأصوات. وبلغت نسبة الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم 62% من إجمالى نحو 99 مليون ناخب على قوائم الانتخابات، وهى أعلى نسبة مشاركة فى الانتخابات فى المكسيك.
ومما أثار الانتباه بفوز امرأة لأول مرة برئاسة المكسيك، ليس لأنها الأول فى أمريكا اللاتينية فقد سبقتها عدة دول بفوز امرأة بالرئاسة منها الأرجنتين وتشيلى والبرازيل، ودول لاتينية أخرى، وإنما لأن المجتمع المكسيكى ذكورى الثقافة، خاصة بين أغلبية السكان الأصليين من المايا والأزتيك. كما أن الأمم المتحدة رصدت مقتل ما بين 9-10 سيدات يوميا سواء نتيجة العنف الأسرى أو الجريمة المنظمة. ومن ثم فإن ترشح سيدتين للرئاسة وفوز إحداهما بتفوق رسالة قوية على طريق السعى لتغيير الثقافة الذكورية والتى قد يستغرق تغييرها وقتا طويلا، ولكنها بداية تغيير قوية.
• • •
وكانت الحملات الانتخابية، خاصة بين المرشحين فى الولايات المكسيكية، تتسم بالشراسة والعنف بدرجة غير مسبوقة، حيث قتل نحو 37 مرشحا لمناصب محلية، ويأتى ذلك فى إطار زيادة معدلات جرائم القتل فى المكسيك فى السنوات الأخيرة، فقد راح ضحية الجريمة المنظمة خلال فترة رئاسة الرئيس المنتهية ولايته وعلى مدى ست سنوات 175 ألف قتيل، أى بمعدل نحو 80 قتيلاً كل يوم فى بلد تعداد سكانه 129 مليون نسمة. ومن ثم، فإن من بين التحديات التى تواجه الرئيسة الجديدة عندما تتولى منصبها فى أكتوبر 2024، الجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات باعتبار المكسيك معبرا مهما لتجارة المخدرات من دول أمريكا الجنوبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتى تعد من أكبر مستوردى ومستهلكى المخدرات فى العالم، وكذلك مواجهة ظاهرة العنف ضد المرأة والتى زادت فى السنوات الأخيرة.
ولدت كلاوديا شينباوم فى المكسيك فى يونيو 1962 لأسرة يهودية، ولكنها تؤكد دائما أنها امرأة مؤمنة دون انتماء لديانة معينة. وساعدها على ذلك أن نظام الحكم فى المكسيك، منذ الثورة الاجتماعية عام 1919 والتى ندد خلالها السكان الأصليون بما اسموه الهزيمة الدينية من الإسبان، وأصبح ممنوعا منذ ذلك التاريخ ظهور رجال الدين بأزيائهم الدينية فى الأماكن العامة، وأثناء زيارات بابا الفاتيكان للمكسيك فإن رئيس الجمهورية يعلن أنه يستقبله بصفته مواطنا مكسيكيا كاثوليكيا وليس بصفته رئيس الجمهورية.
وتعد شينباوم أستاذة أكاديمية متميزة فى مجال الطاقة والتغيرات المناخية. وقد انخرطت فى العمل السياسى منذ عام 2006، وفى عام 2018 نجحت فى الانتخابات لتولى منصب عمدة الحى الفيدرالى مكسيكو سيتى (حاكم) خلفا لأندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذى فاز حينئذ برئاسة الجمهورية. ويعد منصب حاكم مكسيكو سيتى خطوة مهمة على الطريق إلى الرئاسة.
وتعتبر شينباوم أن الرئيس أوبرادور مثلها السياسى الأعلى، وهو الذى شجعها على الانخراط معه فى العمل السياسى، واشتركا فى تشكيل حركة التجديد الوطنى اليسارية (مورينا) منذ أن انشق أوبرادور عن الحزب الثورى الدستورى الذى سيطر على حكم المكسيك نحو ثمانية عقود إلى أن بدأ فى التراجع الكبير لصالح الأحزاب الأخرى سواء المعارضة أو المنشقة عنه. واعتمد أوبرادور على برنامج سياسى اجتماعى اقتصادى ساعده فى الفوز فى الانتخابات الرئاسية عام 2018 واكتساب شعبية كبيرة لدى الطبقات الفقيرة وأصحاب المعاشات، حيث طبق عدة برامج لتخفيف حدة الفقر، وتقديم منح للطلاب غير القادرين، وزيادة الضمانات الاجتماعية لأصحاب المعاشات وتحسين سعر صرف العملة المحلية.
وقد اعتمدت شينباوم فى حملتها الانتخابية على الدعم القوى من الرئيس أوبرادور المنتهية ولايته وما يحظى به من شعبية كبيرة، وهو ما دفع المعارضة إلى اعتبارها مجرد ظل له وأنه سيكون ذا تأثير كبير عليها، من وراء ستار، أثناء فترة حكمها. وردت شينباوم على هذه الانتقادات بأنها شخصية قوية، ويطلق عليها مؤيدوها أنها «القوة الهادئة». وأكدت شينباوم أنها ستستمر فى الالتزام بتطبيق البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية لصالح الطبقات غير القادرة وأصحاب المعاشات. وساعدها ذلك فى الحصول على أصوات أغلبية الطبقات الفقيرة، والشباب، والمرأة التى تعانى من العنف والثقافة الذكورية السائدة.
• • •
ولا شك أن ضعف المعارضة وانقسامها على نفسها وعدم اتفاقها على تقديم مرشح من داخل ائتلافها، ولجوئها إلى ترشيح سيدة من خارج الائتلاف هى سوتشيل جالفيس، ولها شعبية لشخصيتها القوية وتبنيها أفكارا ومبادئ مشابهة لحركة «مورينا» اليسارية، وقد اعتمدت فى حملتها الانتخابية على توجيه انتقادات لسياسة الرئيس المنتهية ولايته، حيث اتهمت نظام حكمه بالمحسوبية، وإساءة استخدام السلطة على نطاق واسع، وأنه قد أسىء إدارة الإنفاق الاجتماعى خلال السنوات الست الماضية ولم توزع بشكل عادل، ووصفتها بأنها سياسات اجتماعية فاشلة، وأنه ما يزال نحو 9 ملايين مكسيكى يعيشون فى فقر مدقع. ووعدت بتخفيض سن بلوغ المعاش من 65 سنة إلى 60 سنة. كما اتهمت المعارضة الرئيس أوبرادور بأنه هو الذى حرض على العنف لصالح المرشحة التى يؤيدها.
واضح أن المعارضة لم تدرس أسباب عدم فوزها فى انتخابات 2018، وتعمل على إحداث تغيير فى برامجها ومنهج تناولها للشأن العام والعمل لصالح الأغلبية من الشعب المكسيكى، وإنما استمرت فى نفس الطريق بالهجوم والانتقادات للسياسات الاقتصادية والاجتماعية للحزب اليسارى الحاكم، دون التنبه إلى أنه مع وجود أخطاء وبعض التجاوزات، إلا أن المحصلة النهائية هى القبول العام والرضا من جانب الأغلبية الشعبية والتى أعطت صوتها وثقتها للحزب الحاكم مرة أخرى ليفوز برئاسة الجمهورية والأغلبية فى مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وحاكم العاصمة، وهو ما يوفر دعما قويا للرئيسة الجديدة وما تقدمه السلطة التنفيذية من قوانين وبرامج تحظى بأغلبية مضمونة فى السلطة التشريعية.
إن رئيسة المسكيك المنتخبة أمامها ست سنوات فقط، حيث لا يسمح للرئيس المكسيكى أن يترشح للرئاسة مرة أخرى، وهو نظام يطبق منذ ثلاثينيات القرن العشرين. ومن حق الرئيس تغيير كل المستويات القيادية للسلطة التنفيذية من الوزراء والوكلاء والمديرين العموم، وينتقد ذلك بأنه من أهم أسباب الفساد لكثرة تغيير السلطة التنفيذية كل ست سنوات، وهو ما يؤدى إلى حالة من عدم الشعور بالأمان الوظيفى والمادى.
وستواجه الرئيسة الجديدة عدة تحديات، ليس فقط باعتبارها أول امرأة تتولى رئاسة المكسيك، ولكن أيضا تحدى تجار المخدرات، وتعاونهم مع الجريمة المنظمة واتخاذهم العنف والقتل وسائل للترهيب. وتحدى الهجرة غير القانونية القادمة من أمريكا الوسطى والكاريبى، ومن المكسيك ذاتها وما تثيره من مشكلات متعددة مع الولايات المتحدة الأمريكية أهم وأكبر شريك اقتصادى وتجارى وسياحى مع المكسيك. ولا شك أن تقديم المكسيك وتشيلى دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة إسرائيل وما ارتكبوه من جرائم فى الحرب الإسرائيلية على غزة، ستلقى ببعض الظلال على العلاقات المكسيكية الأمريكية، ولكن المصالح تتصالح، خاصة إذا كانت قوية.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات