هل يمكن لدولة ــ مهما أوتيت من إمكانات ــ أن تتابع وتراقب أكثر من ثلاثة ملايين شخص من جنسيات مختلفة ويتحدثون بلغات متعددة؟!
السلطات السعودية تقول إنها تفعل ذلك مع حجاج بيت الله الحرام، لكنها تراقبهم لحمايتهم وليس بمفهوم المراقبة الأمنية الشائعة والمعروفة.
لم أصدق الأمر حتى رأيته بنفسى فى مركز القيادة والسيطرة فى منى بمكة فى ثانى أيام عيد الأضحى المبارك برفقة مجموعة من المصورين من كل أرجاء العالم ــ انحشرت بينهم ــ دعتهم وزارة الإعلام والثقافة السعودية لمتابعة تأمين موسم الحج.
فى هذا المبنى القريب جدا من مدينة الحجاج فى منى، يمكن القول إنه عين وعقل الجهاز الأمنى المسئول عن تأمين الحج.
السلطات السعودية وضعت 2803 كاميرات «ألفان وثمانمائة وثلاث» فى منطقة المشاعر المقدسة من مكة إلى عرفات ومن المزدلفة إلى منى، منها 757 كاميرا فى المسجد الحرام، وهناك ست كاميرات مزروعة على الجبال، إضافة إلى ثلاث طائرات عمودية مزودة بكاميرات.
سألت مسئولا بارزا فى هذا المركز عن الكيفية التى تعمل بها هذه الكاميرات فى ظل تلاصق الناس فى حشود ضخمة؟!
هذا المسئول أرانى على الطبيعة مئات أجهزة الكمبيوتر الضخمة وكل واحد منها متصل بكاميرا فى مكان معين، ومنها يبث بثا مباشرا إلى هذا المركز.
كررت السؤال ثانية، وقلت له وكيف تعرفون أن هناك نشالا أو متحرشا مثلا؟ فقدم لى الإجابة العملية، فحرك الكاميرا وسط الجماهير، ثم ثبتها على شخص معين، فصار هذا الشخص واضحا تماما على الشاشة، وكأنه يتحدث فى التلفاز.
أضاف المسئول أنه لو تم الشك فى سلوك شخص، أو سقط شخص مريضا، أو حدث أى مكروه، أو كان هناك ازدحام فى منطقة معينة نقوم بالاتصال الفورى مع الضابط أو الجندى الموجود فى المكان ونطلب منه التدخل.
السلطات السعودية تطمح إلى أن يتحول الحج فى المستقبل القريب ليصبح «ديجيتال» بالكامل أى يكون كل شىء موجودا و«مبثوثا» على الهواء مباشرة.
وتفاصيل ذلك ليس فقط بالكاميرات ولكن بأجهزة الذكاء الاصطناعى والخرائط الرقمية والهاتف المتصل.
هذه الأجهزة توفر للسلطات إمكانات احصائية محدثة طوال الوقت، وهكذا كنا نعرف ونحن أمام قواعد البيانات المأخوذة من الكاميرات كم عدد الذين دخلوا منطقة الجمرات فى منى أو عدد الموجودين فى الكعبة المشرفة بالعدد الدقيق، حيث إن هناك أجهزة حرارية تضيف رقما لكل شخص يعبر المنطقة.
فى رواية جورج أورويل الشهيرة مزرعة الحيوانات، تحدث عن «الأخ الأكبر» الذى يراقب كل الشعب ويحسب عليهم أنفاسهم، ومع الفارق الكامل فى القياس، فإن كاميرات المشاعر المقدسة تحمى الحجاج من السرقات وبعض المندسين.
ومع تقدير الجهد الكبير الذى يبذله القائمون على موسم الحج فالمؤكد أننا بحاجة لما هو أكبر من الكاميرات لمراقبة وردع أولئك الذين يتاجرون بالحجاج، من بعض أصحاب الشركات الجشعين، والمطوفين المهملين وسائقى الأتوبيسات المتأخرين.