حكمة الرئيس رأت بصواب بصيرتها أنه لا حل سوى زيادة الضرائب ورفع الأسعار.. على الرئيس استحقاقات للصندوق، لذلك أصدر قرارات محصنة من تلك التى ترتبت من آثار إعلان دستورى منعدم، للرئيس التزامات أمام جماعته وحزبه وليس شعبه.. لذلك لا مانع من وضع الخمور فى مقدمة السلع، حتى يتحرك المبرراتية والمفكراتية لمواجهة المعترضين المحتجين بالفقراء وحقوقهم.. هؤلاء الفجرة يرفضون رفع أسعار الخمور، يريدونها رخيصة فى متناول الجميع حتى يفسد الشعب ويغرق فى سكره.. صحيح أن قائمة الزيادات الضريبية تطول النقل والاتصالات والطاقة والغاز والكهرباء والمخبوزات والزيوت وكل ماله علاقة بالحياة العادية للناس.. لكن كل ذلك لا يهم.. لأنه فى النهاية قرار ينصر شرع الله، يستهدف الخمور وكل من سيعارضه سيواجه باتهامات الفسق والفجور، مثلما خرجت اتهامات التكفير تصطاد المعترضين على إعلان دستورى منعدم.
لكن شخصاً نبيهاً فى مطبخ الرئيس فقط نبهه أن قراراته «الحكيمة» تأتى فى وقت يخوض فيه الرئيس وجماعته وحزبه اختباراً مرتقباً فى الصناديق، ويحتاج فيه الرئيس وجماعته وحزبه لأصوات الفقراء حتى يمر الدستور فى الاستفتاء.
لم يكن الأمر يستدعى «عنداً» هذه المرة، لم يترك الرئيس المجال ليرى الإعتراضات والمناقشات، لم يسمح للفتنة أن تتسع مرة أخرى، بسرعة أصدر قراراً بوقف العمل بهذه القوانين والزيادات قبل أن يترتب عليها أى آثار، اللهم إلا من اضطر فى خلال الساعات المعدودة التى تم فيها انفاذ القرار لشراء علبة سجائر بضعف ثمنها، أو حجز تذكرة قطار بالزيادة.
بحكمة الرئيس صدرت قرارات الزيادة.. وبحكمة الرئيس تم وقف العمل بقرارات الزيادة، وعند صدورها تجد من يبررها ويدافع عنها باعتبارها انتصارا لشرع الله لأن الخمور ضمن قائمة الزيادات، وعند وقفها ذات المبررين والمدافعين سيقولون لك إن الرئيس القادم من وسط الفلاحين ومحدودى الدخل أوقف قراراته انحيازاً للفقراء.
هل أوقف الرئيس فعلاً قوانينه الضريبية الجديدة لأنه يشعر بالفقراء، وأدرك بعد ساعات قليلة من نشر قراراته فى الجريدة الرسمية أن يزيد الأعباء على الفقراء ومحدودى الدخل، ويستهدف الطبقة المتوسطة بإجراءات تثقل كاهلها، ويرفع فى الوقت نفسه أسعار خدمات وصناعات ومنتجات مرتبطة بالقرارات حتى لو لم تكن وسط القائمة.. أشك.
لماذا أشك؟ لأنه أولاً أوقف القرارات ولم يلغها، وبالتالى مازالت هذه القرارات محصنة لا يجوز الطعن عليها، والظاهر أنه مازال مصراً عليها بدليل ربطها بحوار مجتمعى ووقفها مؤقتاً لحين الانتهاء من الحوار المجتمعى، الذى لو مر مثلما تمر كل الحوارات المجتمعية الرئاسية التى يحاور فيها الرئيس المتوافقين أصلاً والقابلين استباقاً، فذلك يعنى أن القرارات قائمة لكنها فقط فى إجازة.
لماذا شاءت حكمة الرئيس أن تمنح للقرارات إجازة؟
لأن الأصوات مهمة.. والصناديق تنتظرها، ولا مانع من تملق الناس قليلاً حتى يستنفدوا الغرض المؤقت.. أصوات الفقراء أولاً وبعدها يدفعون الثمن.