الشرق الأوسط ــ لندن: العودة إلى «الصوت» - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشرق الأوسط ــ لندن: العودة إلى «الصوت»

نشر فى : الجمعة 12 فبراير 2021 - 6:25 م | آخر تحديث : الجمعة 12 فبراير 2021 - 6:25 م

نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتبة سوسن الأبطح تشير فيه إلى عودة الأمزجة إلى الإذاعات والتسجيلات الصوتية... نعرض منه ما يلى:
تستهل الكاتبة حديثها عن عصر الصورة الذى نعيش فيه والشركات التى استطاعت استغلاله وحصد الملايين. فظهرت «نتفليكس» بنجاحها الكاسح وقبلها «يوتيوب»، لنتأكد أن ثمة فى عالم الفرجة، ما هو أكثر فتنة من التلفزيون، حين تعطى المشاهِد حرية اختيار برنامجه أو فيلمه، فى اللحظة التى يحب. إلا أن الكاتبة تتحدث عن تحول فى المزاج العام، حيث نشرت «وكالة الصحافة الفرنسية» تقريرا لافتا حول الشعبية المتزايدة للـ«بودكاست» أو «المدونات الصوتية» التى زاد عددها فى السنوات الخمس الماضية 17 ضعفا، فى حين ارتفعت نسبة الاستماع إليها ثلاثة أضعاف. فالأمزجة تتغير بسرعة، والإنسان الذى نهشته الصور وحاصرته الأشرطة، صار ربما يرتاح لصفاء الإصغاء. ففى فرنسا وحدها أحصى أكثر من مائة مليون استماع إلى البودكاستات فى الشهر الواحد. وهو ما يفتح أعين المعنيين، على كنز دفين، بكر، يستحق الاستثمار فيه. لذلك تقول الكاتبة إن منصة «سبوتيفاى» السويدية الشهيرة، التى تستحوذ على أكثر من ربع السوق السمعية، تحمّست على البدء بمشاريع مستقبلية بمبالغ ضخمة بانتظار الحصاد. ولا يقلل من الاندفاعة، أن يكون نمو الإعلانات بطيئا، فالغد واعد، والمؤشرات مشجعة.
تستطرد الكاتبة قائلة إنه على الرغم من أن كثيرين ما زالوا يجهلون ما هو «البودكاست»، غير أن صحيفة «نيويورك تايمز» منذ عام 2017 تمكن برنامجها الشهير «ثى دايلى» من أن يحصد مليونى تنزيل لكل حلقة. وسجلت الصحافة المكتوبة اختراقا حينها، بتقديمها برنامجا مسموعا، بنجاح لا تحلم به إذاعة عريقة. غير أن الأمريكيين ليسوا الأكثر حماسا للمدونات المسموعة؛ فالنمو الأبرز للتسجيلات تجده باللغة الهندية، تليها الصينية فالبرتغالية والفرنسية، ولا تأتى الإنجليزية إلا فى ذيل اللائحة. لا تقارير وبيانات عن الهوى العربى، سوى أن منطقة الخليج تتقدم. والسعوديون عنوا باكرا جدا بالبودكاست، وكما فى غير بلد لم تزهر الظاهرة إلا فى السنوات الأخيرة.
تقول الكاتبة إن الإذاعات الفرنسية المعروفة، باتت والحالة هذه، تحوّل برامجها إلى بودكاست لإعادة سماعها، وتجعلها متاحة عند الرغبة، متماشية مع ما يبحث عنه إنسان اليوم، الذى تتنازعه المغريات، ويتنافس على حواسه المستثمرون. المتمسكون بتلفازهم التقليدى كثر، ومثلهم المواظبون على الاستماع إلى الراديو فى تنقلاتهم فى السيارة، ويبقى رواد النقل العام الذين يقضون ساعات بين القطارات والباصات أو سيرا على الأقدام هم من يجدون فى البودكاست سلوتهم، ومصدر فائدتهم. بحسب التقديرات، هذا لن يدوم، بعد أن يختبر الناس، متعة اختيار برنامجهم المفضل، ومتحدثهم الأثير، بدلا من أن يسلموا قيادهم لإذاعات تختار لهم المواعيد وتفرض عليهم البرامج.
وفى محاولة من «سبوتيفاى» لانتزاع مكانة «أوديبل» التابعة لـ«أمازون» فى مجال الكتب الصوتية، لجأت لتسجيل مؤلفات إنجليزية كلاسيكية بأصوات نجوم. وقبلها قدمت المنصة «هارى بوتر» بصوت عدد من المشاهير، بينهم الممثل دانيال راد كليف، والمعركة لا تزال فى بداياتها.
تشير الكاتبة إلى صعوبة إنتاج التسجيلات الصوتية بسبب التطوير المستميت فى تكنولوجيات الصوت، والعمل المضنى من أجل التوصل إلى بودكاستات تجعلك لا تشعر بفارق بين الواقع والمسجل، مع الاستعانة بالمؤثرات، والمزج والتركيب.
تعطى الكاتبة أمثلة لأشهر من انضموا إلى المدونات الصوتية مثل الأمير هارى وزوجته ميغان، بمدونتهما «أرتشويل أوديو» التى أثارت اهتماما، لكن المهم هو ما قاله دوق ودوقة ساسكس عن تجربتهما، وسبب قبولهما خوضها لأن المدونات الصوتية، «تذكّرنا جميعا بأن نكرّس وقتا للإصغاء الفعلى والتواصل من دون التهاء... فعندما يستمع واحدنا للآخر، ونعرف قصص بعضنا بعضا، فإن ذلك يساعدنا على فهم مدى الترابط بيننا». الصفقة التى أبرماها تجارية قبل أى شىء آخر، إلا أن ما قالاه يبقى صحيحا. فالأولوية الآن بالنسبة لإنسان تتجاذبه الإغراءات، هى لحظات تركيز صافٍ، بعيدا عن التشتت الذهنى. لهذا يتحدث المهتمون بالبودكاست، عن جمهور يحتاج إلى مادة أكثر عمقا؛ لأن كل مستمع قادر على الانصراف إلى ما يعنيه بشكل شخصى. ومع حيوية شركات الإنتاج، وإمكانية وضع البودكاست على أكثر من منصة رئيسية فى وقت واحد، وبسبب المنافسة الشديدة بين المعروض، أصبح التفنن على أشده، والأبحاث جارية لتجويد الصوت بتقنية ثلاثية الأبعاد، تجعل المستمع يشعر وكأنه موجود فعلا فى المكان الذى يجرى فيه الحدث. فبعد المليار دولار التى حصدتها البودكاستات السنة الفائتة، كل يفرك يديه طمعا، ويفتح عينيه ولعا بالآتى.
قيل طويلا، إن الراديو هو إحدى الوسائل الفعالة لنشر الديمقراطية، وإيصال الرأى بسهولة وسرعة. وهذه السنة تركز «يونيسكو» فى احتفاليتها بالإذاعات، على التنوع والتعددية، وأيضا على التجدد والتشبيك. وثمة من يعتقد أن الإذاعات ستكون إلى زوال أمام البودكاست، خاصة بسبب الأموال السخية التى تصرف عليه، مقارنة بالشحّ القاتل الذى تعانى منه الإذاعات، وكله ممكن.
تختتم الكاتبة مقالها قائلة إن الحدود سقطت بين المرئى والمسموع والمكتوب. الأوراق تختلط وتمتزج بانتظار إعادة فرز لأشكال جديدة، سيكون الصوت أحد المتربعين على عرشها. وبذلك خابت تكهنات كبار الكتّاب الذين توجسوا شرا من المرئيات وخداعها وقدرتها على خطف الوهج كله، بحيث سال حبرهم سخيا حول خطر الصورة، ولم يعن غير قلة من علماء اللغة، بفتنة الصوت وإمكاناته اللامتناهية.

التعليقات