هو بلا شك فى نظرى ــ وأظنه أيضا فى نظر كل إنسان ــ مهموم بالشأن الصحفى فى مصر سيد من يصلح لمراجعة مسودات قانون التأمين الصحى التي تخطى عددها ما يسمح بأن يظل هناك أمل فى أن تظهر لها صورة نهائية قابلة للتنفيذ. المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة. لم أشرف بلقائه حتى الآن وإن تمنيت. له من الأحكام فى مجال القضاء الإدارى والمعنية بهموم الناس مما يجعل الجلوس فى حضرته خروجا على تقاليد الآداب العامة فى المجتمعات المحترمة. لم تكن المبالغة أبدا جزءا من شخصيتى أو أسلوبا محببا للكتابة فيما أؤتمن عليه من أحاديثى لكن هذا تحديدا شعورى تجاه هذا القاضى الذى أؤكد أنني حتي لم أصادف لملامحه صورة فى الإعلام إنما دائما أحكامه التى أقف عندها باحترام.
قضت محكمة هذا القاضى العادل هذا الأسبوع وبعضوية المستشارين محمد حراز ووائل المغورى نائب رئيس مجلس الدولة بوقف تنفيذ قرار رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحى «السلبى» بالامتناع عن صرف الدواء المقرر لعلاج الطفلة مريم وجيه الديب ذات العامين من عمرها من مرض السكر من النوع الأول بصفة منتظمة مع الإفطار والغداء والعشاء وصرف الأقلام الخاصة بحقن الإنسولين وشرائط قياس نسبة السكر فى الدم وقياس الأسينون فى البول وإلزام الهيئة بصرف الدواء والعرض على طبيب متخصص باستمرار لتقييم حالتها وتقدمها وأمرت بتنفيذ الحكم «بمسودته» دون إعلان.
أكدت المحكمة أن امتناع التأمين الصحى عن تقديم العلاج للأطفال هو أبشع أنواع الجرائم لمساسها بينبوع الحياة بحسبان أن مرحلة الطفولة هى المرحلة التى تنمو فيها كل خلية من خلايا جسم الطفل وكل حاسة من حواسه ورفضت المحكمة دفع وزير الصحة بعدم مسئوليته!.
أظنك عزيزى القارئ قد أدركت أننا أمام مثل استثنائى لقاض يعود نسبه إلى عمر بن الخطاب. قاض وزملاؤه يردون دفع الوزير بعدم المسئولية ويلزمونه بعلاج طفلة لا حول لها ولا قوة ستعانى طوال عمرها من مرض شرس ويضعون تقاعس الحكومة عن علاجها بأن ذلك «أبشع أنواع الجرائم».
سبق أن أصدر نفس القاضى العادل حكما بإعادة امرأة فصلت من عملها لمرضها وتعويضها عما لحق بها من أضرار نفسية. وكانت المرة الأولى التى أتوقف فيها عند هذا القدر من الإنسانية الذى يساند أحكام هذا القاضى لها أن تدرس فلدى اعتقاد راسخ أنه يقف فى نقطة البداية الصحيحة لتاريخ انتظرناه طويلا.
هذا الرجل ومن يماثلونه من وطنية وإخلاص وسلامة رؤية فى مختلف المجالات من يعزفون عن الكلام ويدركون قيمة العمل من يصنعون هيبة الدولة من حرصها علي حقوق مواطنيه: هم التيار الهادر القادم.. فانتظروهم وتهيئوا للانضمام لهم فهم الأبقى والأقدر على استعادة ملامح العزة والكرامة لهذا البلد العظيم.