أخيرا أعلنت منظمة الصحة العالمية الخبر الذى انتظره العالم طويلا ليتسنى له التخلص من ذلك الكابوس الذى حاصر الإنسان على الكرة الأرضية لأكثر من عامين: انحسرت جائحة عدوى كوفيد ــ ١٩ وأصبح الفيروس لا يمثل خطرا داهما على الإنسان إنما قد تساوى برفاقة وانتظم فى عدادهم.
قدمت الفيروسات بطاقة تعارف مخيفة للإنسان تسببت فى وفاة الملايين من البشر لكنها فى الواقع لم تحو كل التفاصيل عن حياة تلك الكيانات التى لا ترى بالعين المجردة فالواقع أن للفيروسات عالم آخر أسطورى يحاول العلم جاهدا أن يخترق دفاعاته القوية ليصل إلى كنهه لكنه مازال على ما يبدو على أول الطريق.
علاقة الفيروس بالإنسان علاقة حياتية لا ينتبه إليها الإنسان كثيرا رغم أنها علاقة وثيقة مدهشة يزاحمه فيها أيضا مجموعة من الميكروبات تعيش فى أجسامنا يزيد عددها على عدد خلايا الجسم البشرى عشرة أضعاف. الغالبية من تلك الميكروبات تعيش فى الأمعاء الغليظة منها الفيروسات والبكتيريا والفطريات والأوليات.
الغريب فى الأمر أن هناك أكثر من ١٤٠ ألف نوع من الفيروسات تعايش الإنسان وتعيش فيه تؤذيه وتهاجمه وتسبب مرضه وهلاكه لكن منها أيضا ما يتدخل ليعزز مناعته ويحميه من الميكروبات الأخرى، يولد الطفل وبرازه «العقى Meconium» خال تماما من الفيروسات لكن بعد أسبوع واحد من الولادة يحتوى كل جرام من براز الطفل على حوالى ١٠٠ مليون فيروس معظمها «عاثيات» من الفيروسات الصديقه التى تهاجم الباكتيريا وتحمى الجسم من عدواها.
تلك الميكروبات تساعد على هضم الطعام وتنظيم ودعم عمل الجهاز المناعى والحماية من الباكتيريا التى تسبب المرض للإنسان وتعمل على إنتاج الفيتامينات مثل فيتامين «ك» ومجموعة فيتامين «ب» والثيامين والريبوفلافين كما أن لها تأثيرات على الدماغ والسلوك.
لدى الإنسان مزيج فريد خاص به من الميكروبات يعيش داخل جسم قد يربو وزنه على الخمسة أرطال.
يطلق على هذا الكيان الميكروبى «الميكروبيوم» ولم يتم التعرف عليه إلا فى بداية التسعينيات وإلقاء الضوء على طبيعة عمله المفيدة وعلاقته بالإنسان منذ لحظة ميلاده إلى وفاته.
أقدم العلم والعلماء حتى الآن على تحليل آلاف العينات بين آلاف البشر حول العالم لمعرفة تفاصيل «الميكروبيوم» فكانت النتائج تشير دائما إلى تنوع الفصائل الفيروسية فى الأمعاء البشرية بشكل واسع وبصفة لا تصدق. وأن هناك أنواعا من تلك الفيروسات تعيش داخل باكتيريا الأمعاء والتى يطلق عليها «العاثيات» أو الفيروسات الصديقة.
تعيش العاثيات أيضا فى الطبيعة لتعمل على تحقيق الضبط الإيجابى لنمو أنواع الباكتيريا.
هناك أيضا بعض الفيروسات التى تهاجم الخلايا السرطانية وتشتبك معها لينتهى الأمر باغتيالها.
هذا وعلى الرغم من الأضرار البشرية الواسعة التى تسببها الفيروسات ومازالت تمارس هذا الأثر المدمر إلا أن غالبية الفيروسات غير مضرة بل إن العديد من فصائلها يلعب أدوارا متكاملة فى دعم نظم البيئة عبر الحفاظ على صحة الكائنات الحية بدءا من الفطريات والنباتات والحشرات والبشر. من تلك الأمثلة أن الفيروسات تقضى على خمسين بالمائة من الباكتيريا التى تعيش فى البحار والمحيطات وتنظفها منها.
يظهر أيضا أمل جديدة فى استخدام الفيروسات لإنتاج أنواع جديدة من المضادات الحيوية التى لا تتأثر بمقاومة الباكتيريا لها كما أن الأمل فى علاج السرطان بإطلاق العاثيات عليه لمداهمة خلاياه وقتلها أمل يبدو بالفعل أنه سيتحول إلى حقيقة قريبة إن شاء الله.
خلق الله الأرض بحكمة يعجز عن فهمها البشر حتى الآن فهل يستخدم الإنسان نيران العاثيات الصديقة للتخلص من الباكتيريا ومقاومة النشاط السرطانى؟
لله لطفه سبحانه وتعالى الذى أرسله مواكبا لأذى فيروس ــ كوفيد ١٩! من يدرى.. سبحانه الله.