نعيش لحظة سياسية نادرة الآن يمكن استثمارها من أجل المستقبل.
هناك رئيس فاز بأغلبية كبيرة جدا، ومنافس خاض الانتخابات بشرف وأقر بالهزيمة، وهناك رغبة شعبية عارمة فى الأمن والاستقرار فى ظل مجتمع يواجه عنفا وإرهابا بلا حدود وهناك تأييد عربى بلا حدود وقبول عالمى بالحقائق الجديدة.
السيسى حصل على نسبة تصويت غير مسبوقة وتقريبا لديه تأييد كل قوى المجتمع باستثناء جماعة الإخوان وأنصارها، وبعض القوى الليبرالية غير المنظمة.
هذه الشعبية التى ربما لم تتوافر لأى رئيس منذ جمال عبدالناصر حتى وفاته أو أنور السادات عقب نصر أكتوبر 1973 وقبل ذهابه إلى الكيان الصهيونى فى فلسطين المحتلة يمكن استغلالها فى اتخاذ القرارات الصعبة والمؤلمة فى جميع المجالات اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
وبموجب التفويض الشعبى الذى حصل عليه السيسى يمكنه أن يقول لأنصاره الذين صوتوا له: «إننى أطلب دعمكم لاتخاذ هذا القرار الصعب».
لدينا منافس محترم هو حمدين صباحى الذى اعترف بخسارته وبالتالى فلن نشهد تكرارا لأزمة أحمد شفيق مع جماعة الإخوان مع فارق التشبيه بالطبع. صباحى قال إنه سيواصل معركته لبناء تحالف وطنى ديمقراطى فى إطار النظام القائم، وأظن أن لديه فرصة ذهبية لإقامة هذا التحالف إذا نزلوا فعلا إلى الشارع واحتكوا بالمواطنين فى كل مكان. والمؤكد أن مصر فى حاجة ماسة إلى معارضة وطنية مدنية فاعلة حتى لا نجد جماعة الإخوان قد عادت من الشباك بعد ان تم طردها من الباب.
العنصر الثالث والأهم فى المعادلة هو الاصطفاف الشعبى الكبير الذى خرج فى 30 يونيو وشكك كثيرون فى حجمه لكننا رأيناه متجسدا فى الصناديق منتصف يناير الماضى أثناء الاستفتاء على الدستور وقبل أيام قليلة فى الانتخابات الرئاسية.
بالطبع هناك قوى أخرى معارضة مثل الإخوان وبعض أنصارهم لا يقبلون بهذه المعادلة، لكن ما هو حجمهم الحقيقى فى الشارع وفى الصناديق.. الله أعلم، وهل كانوا يملكون مثلا أن يغيروا نتيجة الصندوق فى الانتخابات الرئاسية إذا شاركوا؟.
مرة اخرى لا استطيع ان اجزم، لكن لو كانوا يملكون لدفعوا أنصارهم إلى المشاركة حتى ولو بطرق مستترة.
إذن هذه اللحظة النادرة إذا تم استغلالها بذكاء يمكنها أن تتحول إلى رافعة تنقل الوطن من حالة الجمود التى يعيشها إلى مرحلة الانطلاق.
يحتاج البلد إلى فترة هدوء حقيقية حتى يلتقط أنفاسه للمرة الأولى منذ يوم 25 يناير 2011، لأنه لا يستطيع أن ينطلق وهو بهذه الحالة.
الهدوء لن يحدث آليا، بل حتى تنتهى انتخابات مجلس النواب المقبل ويبدأ المجلس فى ممارسة دوره التشريعى.
وإلى أن نصل إلى هذا الاستحقاق ستظل الأنظار متعلقة بالمشير السيسى لأنه سيجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. وسيكون مطالبا باتخاذ قرارات صعبة فى ملفات معقدة للغاية كان ينبغى حسمها منذ عشرات السنين.
السؤال البديهى: هل يتخذ المشير هذه القرارات الآن ويجازف بجزء من شعبيته الكاسحة التى حصل عليها فى الانتخابات الأخيرة أم يتريث وينتظر انتخابات مجلس النواب؟.
كل المؤشرات تقول إن الوقت لا يلعب لصالح الجميع فى مصر والسيسى والمواطنين، وثبت أن كل تأخير يعقد المشكلات أكثر. وربما يكون الشعب مهيأ لتقبل بعض القرارات الصعبة، ومن الواضح أن النية تتجه إلى هذا الطريق، وخير دليل على ذلك الضريبة على أرباح البورصة، ورفع سعر غاز المنازل.