فى شرخ الشباب قد يتصور المرء أن سن المعاش هو سن الحكمة والراحة وأن التحرر من قيود العمل اليومى إنما هى الجنة بعينها! لا يدرك الإنسان مدى قسوة الشتاء إلا إذا تفتح فى الربيع وانطلق فى الصيف ثم تمهل فى الخريف فللسن سطوة لا يمكن أن تطال الإنسان إلا فى موعدها بلا أى تقديم أو تأخير.

مجتمعات كثيرة لا تعترف بالستين سنا للتقاعد إذ إنها لا تعترف بمبدأ التقاعد عن العمل أصلا. وقد جاء العلم ليثبت أن من آمن بأن العمل هو الحياة إنما أصاب وكان أقرب إلى الحقيقة.

دراسة نفسية نشرت فى (المجلة الدولية لطب النفس) مؤداها أن الحفاظ على المخ فى صورة ذهنية يقظة ونشيطة يحميه من الإصابة بمرض خرف الشيخوخة «الزهايمر» كما يسمى. يعانى أكثر من 700 ألف بريطانى من مرض الزهايمر الذى سبق وحول الرئيس الأمريكى ريجان إلى رجل يحمل ملامح الرئىس وإن غاب عنه حضوره وكل ذكرياته. ويتوقع خبراء علم النفس والاجتماع أن فى عام 2051 سيصل عددهم إلى 1.7 مليون شخص تقدر تكلفة علاجهم بحوالى 26 بليون دولار سنويا!

السبب فى مرض الزهايمر هو تراكم الصفائح البروتينية لمادة بتيا أميلويد فى خلايا المخ، الأمر الذى يؤدى إلى مواتها واضمحلال قواها واندثارها. الأمر لا يتم بصورة تدريجية إنما كالقشة التى قصمت ظهر البعير تبدأ بتراجع القدرات الذهنية وتدهور فى وظائف الذاكرة القريبة والبعيدة حتى يصل الإنسان لمرحلة يبدأ فيها ذاهلا لا يتعرف على ملامح أقرب الناس إليه.

رصد العلم كل ما يتعلق بمرض الزهايمر وإن كان السبب حتى الآن لا يزال مجموعة من العوامل لا ندرى أيها له الغلبة. ينسحب هذا على العلاج أيضا فمازال فى دور التجريب.

من تلك العوامل التى رصدها العلم قدرة الإنسان على مقاومة زحف أعراض المرض إذا ما احتفظ بعقله نشيطا يقظا دائما. يقترح العلم أن يعمل الإنسان ولا يتوقف عن العمل فإن فى ذلك حفاظ على خلايا المخ من الاندثار أو أن يصيبها الموات كما صرح الباحث سيمون لوفستون «بأن تنشيط ذهن المسنين بالعمل قد يمنع تدهور قدراتهم الفعلية وهكذا نؤخر أعراض المرض لفترة قد تطول. قيمة جديدة للعمل قد تجعلنا نتردد قبل طلب معاش مكبر!