لا تتوقف كثيرا أمام الرسائل المتضاربة التى تأتيك عبر الصحف ووسائل الإعلام، لا تتعجب إن وجدت صحيفة تؤكد خبرا وأخرى تنفيه، وكلاهما تستندان لنفس المصدر تقريبا، لا تظن أن الأزمة فى الإعلام وحسب.
فى التجارة يقولون «العيب عند الموردين» والأخبار مثل السلع لها «منشأ» ومورد، وإذا كان مطلوبا من الصحفى أن يدقق معلوماته أو يوثقها من مصادر ثقات، فليس مطلوبا منه أن ينفذ إلى نوايا مصدره، ليعرف إذا كان يقول الحقيقة أم يكذب، أو إذا كان سيتراجع بعد ساعات قليلة عما قال، أو ستسأله وسيلة إعلام أخرى ذات السؤال فيجيب برد مغاير، خاصة إذا كان هذا المصدر مسئولا معلوم الصفة والحيثية.
تتدفق عليك المعلومات بسيولة عجيبة، لكن ذلك لا يرجع لانفتاح واحترام لحق تداول المعلومات، بقدر ما هو يعكس ارتباكا سياسيا يسيطر على دوائر الحكم من جانب، واستخداما سياسيا أيضا لوسائل الإعلام فى ترويج الشائعات، أو تمرير الرسائل التى تستهدف جس نبض الرأى العام أو تهيئته، أو قياس مدى قبوله أو رفضه لقرار وشيك الصدور من جانب آخر.
ورغم هذه السيولة وهذا التدفق، تبدو المعلومة اليقينية المؤكدة، عزيزة ونادرة كذلك، وتحتاج لجهد خرافى للتثبت منها، خصوصا وأنت تتعامل مع سلطة عمودها الفقرى كيان عسكرى راسخ فى تراثه الذهنى التعامل مع إتاحة المعلومات للرأى العام، باعتبارها إفشاء للأسرار، دون تمييز بين الطبيعة المدنية المستجدة باعتباره القائم بأعمال رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية، وبين وضعه العسكرى المغلف فى أغلبه بالتحفظ والسرية.
كذلك لديك حكومة مرتبكة بطبيعتها، وكثير من القرار ليس فى يديها، وتبدو لك وكأن أجنحة تتصارع فى داخلها، فيؤكد أحد أعضائها الشىء ويسارع آخر إلى نفيه والقول بنقيضه.
الأمثلة أمامك كثيرة، فلا تقنعنى أن التسريبات التى قالت إن شرف حاول تغيير 7 وزراء لكن المجلس رفض، ليست خارجة من مكتب شرف نفسه، رغم أنه حتى هذه اللحظة لم يؤكده ولم ينفه، كذلك التضارب المذهل حول الموازنة العامة، والتصريحات المتناقضة التى ينفى بعضها بعضا، وحديث القروض الخارجية الذى ظل ينتقل من «لا مفر منه» إلى «أنهينا الاتفاق دون شروط» إلى «الشروط عرقلت الاتفاق» حتى وصلنا إلى أن «مصر لا تحتاج اقتراضا من الخارج أصلا.. ولم تقدم أى طلبات لصندوق النقد والبنك الدوليين».
لديك أيضا ما تم طرحه أمس الأول وأمس حول تولى القيادة العسكرية البارزة اللواء محسن الفنجرى موقع وزير الداخلية، أنت لا تعرف من أين خرج هذا الحديث، لكن من المؤكد أنه ليس من تأليف معتصم فى الميدان، لكنه خرج إما من داخل وزارة الداخلية ليقول للضباط الرافضين للعيسوى، اقبلوا بدلا من أن يأتيكم من سيعاملكم بالشدة والحزم ولن يقبل بمعارضته، أو أنه اختبار للرأى العام، فإذا وجد ترحيبا نفذ باعتباره استجابة لطموحات الناس.
تعيش فى زمن أنصاف الحقائق.. فلا تلم الإعلام أنه يعكس لك ارتباكا يسيطر على المجتمع وحكامه، ويمنحك نصف حقيقة، وتأكيدا ونفيا فى آن، هذا تحديدا «عيب من الموردين»، دون إنكار أن ثوب الإعلام ملىء بالثقوب والعيوب..!