فى الأوقات الحاسمة ونقط التحول الكبيرة فى حياة البلد، بيشاء القدر إنى أكون دايما خارج مصر، بأدور زى المجنونة على شبكة «واى فاى» صاحبها ابن حلال وسايبها مفتوحة، لكن فى الغالب ولاد الحرام ما بيسيبوش لولاد الحلال حاجة!
حين يحيا الإنسان فى دولة كدولتنا التى كانت للسنوات الثلاث الماضية دولة مثيرة للانتباه والمشاعر والأعصاب، تمر عليك لحظات (ساعات طويلة فى الواقع) وأنت تتمنى أن تتاح لك فرصة للبعد عن كل تلك الفوضى وكل هذا الضغط العصبى وكل هذا الجنون، وحين تأتى تلك الفرصة خمن ماذا يحدث؟
فى الواقع بتقضى الوقت «مسمر» أمام شاشة الكمبيوتر، تتجول فى صفحات أصحابك على فيس بوك ومواقع الأخبار الإلكترونية، وتتذلل للجميع عشان يبعتولك موقع بيبث أى قناة مصرية بث مباشر تحسسك بالظبط أكنك هناك.
تسمع كل هتاف، وتحس بكل هزة إيد فى الهوا، وتقرا كل يافطة مرفوعة على إيد طفل صغير شايله أبوه على كتفه، بتبقى متشوق ومتلهف وعايز تدوق مرارة متابعة كل صدام، وتنزل دموعك على صورة كل شهيد، وتفكر جديا فى طريقة تبعت بيها تبرع بالدم عبر المحيط، لو فيه ضرب غاز بتلعن فى سرك اللى اخترع التليفزيون.
وما زودوش بخاصية نقل الروايح على الهوا، زى ما بينقل الصور والأصوات، ولو فيه قنص أو حفلة ضرب خرطوش حواسك بتشاور عقلها تدى أوامر لعقلك يقنعك تستخبى تحت مكتب أو سرير فى أوضة فندقك، ولو فيه جنازة خارجة لشهيد أو شهيدة بتبث على الهوا، بتلاقى نفسك تلقائيا مدفوع برغبة لأنك تلبس اللون الأسود النهارده وما تغيروش غير بعدها بـ ٣ أيام.. طب ليه كل ده؟، وليه ما تستمتعش بإجازتك أو تركز فى شغلك وأنت فى آخر بلاد الدنيا وتصمم إنك تجر نفسك لنفس الشىء اللى إنت بتهرب منه بقالك ٣ سنين؟
يمكن لأنك غاوى نكد؟ يمكن لأنك بنى آدم كئيب وتعشق الكآبة بطبعك؟ يمكن لأنك قلقان على عيلتك وأصحابك؟ ويمكن لأن هى كده، روح لآخر الدنيا، مهما كنت بعيد تظل البلد دى بكل دوشتها وزحمتها بتسرى تحت جلدك، ولا يمكن تقدر تحفر تحت جلدك وتطلعها من هناك.
أسكن فى بلاد منظمة ونضيفة ومعقمة، هتفضل روايح هوا البلد دى بترابها ورطوبتها وعوادم تاكسياتها متعلقة بأنفاسك وبتسترجعها كل شوية بتلذذ واستمتاع. روح لبلاد الفيلم بتاعها خلص من زمان وكل اللى فيها عايش دلوقتى فيما بعد كلمة النهاية برتابة وملل وروتينية بعد انتهاء كل المشكلات والعقبات، هتفضل كل الدراما والكوميديا والسخافة والغباء المتعلق بسياسات البلد دى وساستها هى الأفكار اللى بتزن طول الوقت فى دماغك مهما كانت درجة الرفاهية الديمقراطية اللى انت مغلف بيها فى بلاد الناس.
فى الأوقات الحاسمة ونقط التحول الكبيرة فى حياة البلد، بيشاء القدر إنى أكون دايما خارج مصر، بأدور زى المجنونة على شبكة «واى فاى» صاحبها ابن حلال وسايبها مفتوحة، لكن فى الغالب ولاد الحرام ما بيسيبوش لولاد الحلال حاجة! القنوات الأجنبية (على عكس ما تخبرنا بيه نرجسيتنا) غالبا ما بتنقلش أخبار عننا إلا إذا كان اللى بيحصل على مزاجهم لسبب ما.
ولو نشرت بيكون الخبر التالت أو الرابع، والواحد ما بيستحملش يستنى، فبيتحول الريموت كنترول فى إيده إلى ما يشبه ريموت الأتارى فى لعبة بتحاول تقضى فيها على الوحش.. إيدك متشنجة حواليه وصوابعك بتضغط أزراره فى عنف وسرعة وقوة، وكأن ضغطتك لو جامدة شوية «السى إن إن هتحس» على دمها وتجيب الخبر اللى بتستناه.
وكأن ضغطاتك لو متتابعة بالسرعة الكافية، بيل أورايلى على «فوكس نيوز» هيضطر يطيعك ويعمل حلقة من ٣ أجزاء كلها عن مصر، لو «الإن بى سى» حست بغضبك وعصبيتك هيقصروا ويحترموا روحهم وينقلوا مباشر من التحرير أو المحلة أو المنيا أو أسيوط..
إنه عشق هذ البلد يا صديقى، وأملنا إنها تكون أحسن، ويقيننا إنها تستحق تكون أحسن، وأملنا إن يوم ما يحصل الحدث، نقطة التحول، العلامة الفارقة بين العصر اللى بتعيشه والعصر اللى بنتمناهولها ونستناه، نكون حاضرين ونفتكره بعد سنوات بكل فخر وسعادة وغرور واحنا بنبص لكل اللى حوالينا ونقولهم: «إحنا حضرنا اللحظة دى، وشاركنا فى صنعها، وقتها، أنا كنت حاضر، كنت هنا، مش هناك».