عن عمره فيما أفناه - أمل حمادة - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 2:17 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن عمره فيما أفناه

نشر فى : الأحد 12 يوليه 2015 - 11:45 ص | آخر تحديث : الأحد 12 يوليه 2015 - 11:45 ص

انتهت امتحانات العام الدراسى، وبدأ ترقب النتائج وتوقع الدرجات وأسئلة لا تنتهى عن ماذا بعد التخرج؟ سألنى أحد طلابى المفضلين، هل تعتقدين أنى جاهز للتخرج والعمل؟

صدمنى السؤال، واستوقفنى كثيرا. هل تكفى أربعة أعوام لتجهيز خريج للعمل فى مجال الأبحاث السياسية، أو مؤسسات صنع القرار فى الدولة، أو كتابة أوراق سياسية، أو التدريس فى الجامعة؟ هل تكفى هذه الأعوام لاكتساب المعلومات؟ أم صقل المهارات؟ أم تعليم المناهج النقدية؟ أم ماذا؟

***

يجيئنا صفوة خريجى الثانوية العامة والشهادات المعادلة، بعضهم كان يحلم بدخول كلية الاقتصاد والعلوم السياسية منذ أن كان طفلا، وبعضهم خانته درجات قليلة فلم يتمكن من دخول كليات الطب أو الهندسة، وبعضهم الآخر ليس لديه سبب محدد لدخول هذه الكلية أو تلك فاستقر به المقام فى كليتى العزيزة.

هناك عدد من الأسئلة الهامة التى يجب أن نواجهها ونحاول الإجابة عليها قبل أن نتيقن أننا قد أعددنا خريجينا لمواجهة المجهول.

هل هناك إدراك واستعداد للتعامل مع طلاب من خلفيات مختلفة ويمتلكون توقعات مختلفة تجاه الكلية والمناهج والأقسام الرئيسية فيها؟ أم أننا نتعامل مع الطلاب جميعا على أنهم نسخ مكررة من بعضها البعض، ونفترض أن ما يصلح لأحدهم يصلح للجميع، وأن ما يتوقعه طالب يصدق على الآخرين؟

هل هناك إدراك واستعداد لمتطلبات سوق العمل الحقيقية وعلاقتها بدراسة العلوم السياسية؟ وبعدد الخريجين كل عام؟ وبنوعية التدريب العلمى والعملى المتوقع أن يحصل عليها الطلاب عبر سنوات أربع؟

هل هناك قدرة على فهم طبيعة تطور العلوم الإنسانية ومناهجها البينية الحديثة والتداخل بين الظواهر الداخلية والخارجية وتطور أشكال السيادة وممارساتها؟

يدرس الطالب فى العام الأول مجموعة من المقدمات فى التخصصات الرئيسية فى الكلية؛ مقدمة فى الاقتصاد ومقدمة فى الإحصاء ومقدمة فى العلوم السياسية، بالإضافة إلى عدد آخر من المواد التى تعطيه فكرة عامة عن طبيعة الأقسام الثلاثة فى الكلية؛ الاقتصاد والإحصاء والعلوم السياسية، وتساعده فى تقرير أى من الأقسام يرغب ويستطيع الطالب أن يكمل دراسة أكثر تخصصية فيها.

تركيزنا فى هذه الورقة السريعة على خريج قسم العلوم السياسية، الذى يدرس ما يقرب من ٣٠ مقررا فى موضوعات العلوم السياسية، بالإضافة إلى بعض المقررات من التخصصات الأخرى كالاقتصاد والإحصاء وعلوم الإدارة أو علوم الحاسب الآلى.

فى العام الثانى يدرس الطالب مقررات فى الفكر السياسى، ونظرية النظم المقارنة ومقدمة فى مناهج البحث، بالإضافة إلى نظرية العلاقات الدولية والقانون الدولى العام والنظام السياسى المصرى. ويختار الطالب قاعة بحث بين فكر سياسى عربى معاصر، وأيديولوجيات معاصرة، وحقوق الإنسان.

فى العام الثالث يدرس مقررات فى النظرية السياسية، والتنظيم الدولى، وتطور العلاقات الدولية، والنظم السياسية الغربية المقارنة، بالإضافة إلى الاختيار ما بين قاعات بحث فى نظم السياسية الآسيوية أو اللاتينية أو النظام السياسى المصرى. وفى الفصل الدراسى الثانى يستكمل دراسة مقرر النظرية السياسية، بالإضافة إلى منهج فى التنمية السياسية والقانون الدستورى، ويختار بين المنظمات الاقتصادية الدولية، أو الاجتماع السياسى أو الدراسات الاستراتيجية كمواد اختيارية. كما يختار بين قاعات البحث فى أحد الموضوعات التالية الثقافة فى السياسة العالمية، والمرأة والسياسة، وسياسات العلم والتكنولوجيا، أو المجتمع المدنى.

فى العام الأخير، يركز الطلاب على دراسة نظرية السياسة الخارجية، والنظم السياسية فى الوطن العربى، والنظم السياسية فى أفريقيا، والرأى العام. فى الفصل الدراسى الثانى يدرس الطلاب مقررات فى القضايا الدولية المعاصرة والنظم الدبلوماسية والقنصلية ويختار ما بين الوطن العربى فى السياسة الدولية أو أفريقيا فى السياسة الدولية. كما يختار ما بين دراسة الصراع العربى الإسرائيلى أو السياسة الخارجية المقارنة. ويقدم مشروعا للتخرج يحدد القسم فى كل عام قائمة الموضوعات التى يمكن للطلاب البحث حولها وعنها.

***

العرض السابق لا يتعلق بمناقشة مضمون المواد أو طرق تدريسها التى تختلف أو تتشابه حسب الأستاذ ومنهجه وفلسفته. ولكن يركز بشكل أساسى على رسم خريطة المواد وعلاقتها ببعضها.
كما يتضح من العرض السابق فإن كم ونوعية المواد الاختيارية يزيد مع تقدم الطالب فى الدراسة. ولكن على مستوى آخر فإن هناك بعض المواد مثل النظام السياسى المصرى أو الصراع العربى الإسرائيلى أو الوطن العربى فى السياسة الدولية يصعب تصور أن يتخرج طالب من قسم العلوم السياسية، وقد اختار أحدها دون أن يدرسهم جميعا. كذلك فإن نسبة المواد الاختيارية للمواد الإجبارية يوحى بافتراض أننا لا نتعامل مع طلاب من خلفيات واهتمامات مختلفة أو توقعات مختلفة.

من ناحية أخرى، فإن خريطة المواد تستجيب للتقسيم التقليدى للعلوم السياسية إلى فكر ونظرية سياسية، ونظم حكم وعلاقات دولية. وهناك غياب شبه كامل للمناهج أو الموضوعات البينية اللهم إلا مقررا فى الاجتماع السياسى ومقررا آخر فى الثقافة والعلاقات الدولية. هذا الأمر يفصح عن غياب التطورات الحديثة فى مناهج وموضوعات العلوم السياسية التى تتبنى البينية فى كليهما وتبنى على تطور العلم سواء فى شقه الإنسانى أو الطبيعى.

من ناحية ثالثة تستلزم كل المواد من الطلاب إجراء أبحاث أو كتابة تقارير أو عروض نقدية، بالإضافة إلى وجود مشروع للتخرج فى السنة الرابعة. تفترض هذه المهام البحثية امتلاك الطلاب لمهارات بحثية معينة يتم صقلها فى مادة مناهج البحث، وقدرتهم على البحث العلمى المنظم والكتابة الأكاديمية فى موضوع معين. لن نناقش المحتوى الأكاديمى لهذا المتطلبات، ولكن نركز على نقطة هامة يظهر تأثيرها على الطلاب عند مواجهتهم المجهول؛ سوق العمل. فمعظم هذه المتطلبات لا تتعامل مع الأنواع المختلفة للأوراق البحثية إلا الأبحاث الأكاديمية التقليدية. ويفتقر الطلاب لأى تدريب للبحث والكتابة فى أوراق السياسات أو تقدير الموقف أو ملخصات السياسات. والواقع أن هذه النوعية من الكتابات العلمية لا تقل أهمية عن الكتابة الأكاديمية النظرية، ويحتاجها الطلاب فى مستقبلهم المهنى.

ويرتبط بهذا غياب فكرة التدريب خلال أعوام الدراسة فى أى من مؤسسات الدولة أو المجتمع المدنى، التى يمكن أن تدعم قدرة الطلاب على كتابة مثل هذه التقارير والأوراق البحثية. فمن يقوم بالتدريب فى سنوات الدراسة إما مؤسسات بحثية أو منظمات مجتمع مدنى، فى الغالب منظمات حقوقية، وتظل الحلقة مفقودة بين متطلبات العمل فى هذه المؤسسات وغيرها من مؤسسات الدولة وتدريب الطلاب على الكتابة العلمية والعملية الرصينة.

الملاحظة الأخيرة فى هذا السياق، تتعلق بالإجابة على تساؤل حول ما إذا كانت المقررات التدريسية بشكلها الحالى تسمح للطلاب بالتعرف على أهم القضايا المطروحة على الساحة الداخلية والخارجية. وهو ما يرتبط بسؤال سابق حول ما إذا كانت مهمة الكلية والأساتذة تقديم معلومات للطلاب أو تعريفهم وتدريبهم على البحث العلمى وأدوات التفكير النقدى أو الاثنان؟ فطبيعة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية ووفرة المعلومات وتضاربها فى كثير من الأحيان، تضع كثيرا من القيود على فكرة المعرفة الكمية، فى الوقت الذى تفتح فيه آفاق غير محدودة للمعرفة الكيفية والتدريب على التفكير النقدى وأدوات البحث العلمى بتطوراتها المختلفة.

***

إن السنوات الأخيرة وحالة التحول والسيولة التى تمر بها مصر وغيرها من المجتمعات حول العالم، تطرح العديد من الأسئلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية حول الدولة والمجتمع والمواطن والعلاقة بينهم. وتطرح أيضا أسئلة هامة وجودية حول الجامعة والعلم وفلسفته، وإمكانية أن تتحول العملية التعليمية إلى شكل أكثر ديمقراطية وعدالة، قد لا نملك الإجابة على أى من هذه الأسئلة. ولكننا بالتأكيد جزء من هذا التحول وهذه الأسئلة وإن فشلنا فى إدراك هذا، فسيظل السؤال لدى الطلاب قائما « فيم أفنينا أربع سنوات من أجمل سنوات عمرنا؟».

 

أمل حمادة مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات