كيف ينبغى علينا كمصريين وعرب أن نتعامل مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى أربع دول أفريقية هى إثيوبيا وأوعندا ورواندا وكينيا؟!
هناك أكثر من طريقة أسهلها أن نلطم الخدود ونشق الجيوب ونولول ونصرخ فى الإعلام، بأن الإسرائيليين اقتحموا دول منابع النيل، ويهددون حصتنا من المياه، ثم يذهب كل منا إلى حال سبيله معتقدا أنه أدى ما عليه من واجب وطنى، وتلك هى الطريقة التى ندمنها منذ سنوات طويلة، بلا كلل أو ملل!.
الطريقة الثانية أن ندرس ونحلل ونفهم ونعرف ماذا تم فى هذه الزيارة ونتائجها وتداعياتها المحتملة، وما هى الخطورة التى يمكن أن تتعرض لها مصالحنا القومية، ثم نبدأ فى علاجها وتلافيها.
الطريقة الثالثة أن نعمق علاقتنا مع دول حوض النيل خصوصا إثيوبيا بحيث نقنعهم بأن تقوية وتطويرعلاقتهم معنا كمصريين وعرب، أفضل لهم كثيرا من علاقتهم مع الإسرائيليين.
الطريقة الرابعة هى استخدام اللغة العنترية الحنجورية، وتهديد كل دول حوض النيل خصوصا الذين فتحوا أبواب عواصمهم لزعيم الكيان الصهيونى، كما فعل محمد مرسى وبعض مستشاريه الأمر مع اثيوبيا قبل اسابيع من سقوطه، وهو الأمر الذى كلفنا ولا يزال يكلفنا الكثير!.
الطريقة الخامسة أن ندمج بين مجموعة طرق وحلول وسيناريوهات مختلفة تراعى الواقع الذى نعيشه، وتحفظ فى نفس الوقت حقوقنا وكرامتنا.
للأسف الشديد معظم معالجاتنا للقضايا القومية والاستراتيجية تتسم بقدر كبير من السطحية والتبسيط والتفكير الانفعالى والمكايدة والمناكفة، خصوصا فى وسائل الإعلام، الأمر الذى ينعكس فورا على تفكير جزء كبير من الرأى العام.
فى ملف زيارة نتنياهو الأفريقية خلط كبير بين الحقائق والأوهام والأساطير والاختزال والتفكير النمطى الذى لا يراعى الواقع والمتغيرات.
ذات يوم وبعد أن زار أنور السادات القدس المحتلة فى نوفمبر ١٩٧٧ ثم وقع اتفاقيات كامب ديفد فى سبتمبر ١٩٧٨ وبعدها اتفاقية السلام مع إسرائيل فى مارس ١٩٧٩. انتقدت مصر وبعض البلدان العربية زائير «الكونغو حاليا» لأنها بدأت تتقارب مع إسرائيل دبلوماسيا، فكان الرد الكونغولى واضحا وحاسما: «كيف تنتقدون قرارنا ونحن لم نفعل ذلك إلا بعد أن اقمتم انتم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل؟!».
الآن يتكرر نفس السيناريو مع الفارق: فبعد أيام قليلة من نهاية جولة نتنياهو فى أفريقيا قام وزير الخارجية المصرى سامح شكرى بزيارة تل أبيب والتقى نتنياهو وبحث معه العديد من القضايا والملفات الثنائية والإقليمية، بل وتناول العشاء فى منزله وشاهد معه جزءا من مباراة نهائى أمم أوروبا لكرة القدم!!.
لست انفاعليا ولا ألح على الحكومة المصرية لتقطع علاقتها فورا مع إسرائيل وتشن حرب تحرير قومية ضدها باعتبارها جسما غربيا فى المنطقة، وإن كنت أحلم بذلك وأتمناه. أدرك الواقع المر والأليم، وأن إسرائيل تعيش ــ للأسف ــ أفضل أوقاتها بسبب الواقع المأساوى غير المسبوق لغالبية البلدان العربية التى فقدت العديد من أوراق القوة والضغط وصارت تشهد حروبا اهلية وطائفية وعرقية.
علينا أن نتأمل حالنا وان نتوقف عد خلط الواقع بالخيال. إذا كنا نلوم الدول الأفريقية لأنها استقبلت نتنياهو فإن مسئولينا يزورون إسرائيل ويتحدثون عن العلاقات الثنائية. قد يقول البعض ان هذه نقرة وتلك نقرة اخرى.. حسنا، هنا يصبح السؤال وما هو الحل؟
اعتقد ان الحل العلمى والعملى ان نحسن علاقاتنا مع البلدان الأفريقية لأنها عمقنا الحقيقى ومصالحنا القومية موجودة هناك، خصوصا دول حوض النيل وبالأخص إثيوبيا، وأن نوجد مصالح مشتركة راسخة معهم، تقنعهم ليس فقط بعدم تعميق علاقتهم مع إسرائيل، بل مع بلدان أخرى كثيرة صارت أكثر تأثيرا فى دول حوض النيل من إسرائيل، بل ومن أمريكا وفرنسا، مثل الصين وتركيا وبعض بلدان الخليج.
على سبيل المثال أفريقيا لم تعد كما كانت فى الستينيات، وللأسف الخريطة تغيرت كثيرا، والعالم كله يتحدث بلغة المصالح، وليس الشعارات.
قبل أن نلوم بعض الدول الأفريقية على استقبال نتنياهو علينا أن نفرمل نحن العرب اندفاعانا باتجاه إسرائيل، على الأقل حتى تقدم لنا ثمنا حقيقيا يعيد بعض حقوقنا بدلا من التطبيع المجانى.