منا من لا ينسى وهو يحزم حقائبه مرتحلا أن يحمل فيها تذكارت تعيده دائما إلى وطنه وأنا منهم. أسافر لإيمانى بأن فى السفر تجديدا لحياة البشر وإضافة تضمن للإنسان مددا يواجه به مشاكل الحياة اليومية وتعينه عليها. لا تقع عينى على ما يلفت النظر إلا ويخطر ببالى ما يعيدنى للوطن: هل يمكن أن أرى ذلك يوما فى مصر؟.
أعود من مونتريال ــ كندا برأسى عشرات الأفكار لخدمات صحية تقدمها الحكومة للمواطن الكندى بلا مقابل أراها تزيد من عام لآخر وتتعدد فلا تقف عند حدود توفير العلاج فى برنامج للتأمين الصحى شاملا بل تتعداها إلى خدمات الوقاية والتوعية بالأخطار التى قد تؤدى للأمراض فى جميع الأعمار. ولأن لكل مواطن فى كندا سجلا طبيا كاملا هناك من يراقبه ويهتم بما يتضمنه من معلومات، وعلى سبيل المثال لا الحصر فى مجال الاهتمام بصحة المرأة فإن كندا تتبنى برنامجا للتوعية لسرطان الثدى وهشاشة العظام.
برنامجا قوميا لكل السيدات الكنديات بلا استثناء يتواصل معهن باستمرار على فترات منتظمة كل منهن بالاسم للتأكد من أن كل سيدة قد أجرت الفحص الدورى وفقا لمرحلتها العمرية الخاص لسرطان الثدى ثم هشاشة العظام.
طالعت إحدى تلك النشرات التى تصل إلى كل سيدة كندية بانتظام تذكرها بموعد اختبارات هشاشة العظام التى يجب أن تجربها فى صورة خطاب شخصى يبدأ بسؤالها عن أحوالها وإذا ما كانت على استعداد لإجراء الاختبار الدورى لكثافة العظام ويحدد الخطاب تاريخية لها أن تختار أحدهما وفقا لظروفها كل منهما فى مكان الأقرب لعنوان سكنها!.
يتحدث الخطاب عن هشاشة العظام وكيف أنه مرض يصيب السيدات بصورة أكبر من الرجال وأن خطورته تكمن فى أن يتقدم بلا أى أعراض إنما يكتشف عادة حينما تتعرض السيدة لحادث بسيط يؤدى لسقوطها لتصاب بكسر قد يكون خطيرا إلى الدرجة التى قد تؤدى بحياتها. سرد واضح مختصر بسيط فيه الكثير من الصراحة بغرض التنبيه دون تهويل.
أشعر بلا شك بمرارة حينما أتذكر أن هناك الملايين من سيدات وطنى يقضين حياتهن حتى النهاية لا تعلم إحداهن شيئا عن هشاشة العظام وقد تعانى منه بلا علم رغم أن الوقاية منه أمر وارد وممكن.
أعرف أن جهودا تبذل على المستوى العام والتطوعى للتعريف بسرطان الثدى لكنها فى الواقع جهودا كالاحتفالات موسمية تظهر لتختفى فلا برنامج قوميا يضمن لها الثبات ولا رؤية تضمن الاستمرار!.
الوقاية خير من العلاج تظل مقولة صالحة لكل زمان ومكان لا تتغير. برامج الصحة العامة التى تعتمد أساسا على التعريف بالأمراض وعوامل الخطر التى تؤدى إليها وارتباطها بأنماط الحياة التى يعيشها الإنسان فى مجتمعه هى الهدف الأهم الآن فى كل دول العالم. ينفق عليها الجانب الأكثر من ميزانية الصحة فهى بمثابة استثمار حقيقى يساند استقرار اقتصاد الدولة.