يجب الكتابة هنا حول هذا الفيلم حتى وإن كنا كلنا شاهدناه عشرات المرات، ولا يشبع من رؤيته، خاصة حين تنادى سعاد حسنى صبى اخيها الجزار عصعص بصوتها الانثوى البالغ الرقة، يجب الكتابة عن الفيلم، الذى يدور فى اعماق مدينة القاهرة، منطقة الحسين التى لا يخرج عنها وما خلفها، والاخراج المتميز للراحل طلبة رضوان، الذى يعتبر درة أعماله القليلة، وقد كان أغلب من عمل به فى أحسن حالاته خاصة وداد حمدى وعبدالمنعم ابراهيم وعدلى كاسب، وبالطبع كل من سعاد حسنى وشكرى سرحان.
الجانب الدافع للكتابة هو فيلم أمريكى متميز اسمه «الرجل الهادئ» أخرجه جون فورد عام 1952 بطولة جون واين، ومورين اوهارا والممثل المشهور فيكتور مكلجلين، فقد تعرفت فى صباي على الفيلم من خلال مجلات السينما الفرنسية التى كانت تحكى قصص الافلام بالتفاصيل فى اربع صفحات من القطع الكبير، والمجلات التى كنت اقتنيها احتفت بالفيلم فترات طويلة، ولم تكن هناك أى فرصة لمشاهدته، ولا أذكر ان القنوات التلفزونية قد عرضته يوما ما، وحتى فى اليوتيوب فإن الكثير من المواقع تعتذر لعدم العثور عليه.
لم أربط يوما بين الفيلمين المصري والأمريكي ولم ينتبنى التصور أن «السفيرة عزيزة» مقتبس من فيلم جون فورد، بل لم أتصور ان الفيلم الأجنبى يكاد يحول سفيرتنا إلى ابداع باهت رغم كل ما ربطنا بالفيلم، ورغم تحفظاتى الشديدة على الاداء النمطى لجون واين، لكنه فى «الرجل الهادئ» كان مختلفا تماما مليئا بأجواء البهجة والروح المرحة، وتلافى جميع نمطبة أدوار الكاوبوى التى أشبعنا بها، ولم نر تلك العيوب فى صياغة القصة التى عرفناها فى الفيلم المصري، فعلى المستوى العائلى فإن الخناقة بين الزوج ونسيبه، سوف تولد على مر الزمن غصة كبيرة، ويمكن أن تسيء إلى شخصية بنت البلد التى ولدت الضغينة بين أخيها وزوجها، ففى الفيلم ليس هناك تبرير لإقحام السفيرة عزيزة زوجها للحصول على المبايعة، وهى فى الفيلم الأمريكى مجرد ورقة لها مقابل من الذهب ترثها البنت من أهلها وتحصل عليها ليلة زفافها، وهذه عادات ايرلندية متوارثة سواء فى ايرلندا أو بين المهاجرين إلى أمريكا، وفى الفيلم فإن الزوج رمى بالوريقة والذهب فى آتون النار، وعلى الفور قامت العروس بالتوجه إلى بيت الزوجية، وصار عليها أن تقطع مسافة طويلة أمام الناس، وفى مصر فان المقتبس لم يجد المعادل الاجتماعى المصرى المقابل لهذا الأمر باعتبار ان عناوين الفيلم تقول ان كاتب الفيلم هوالأديب أمين يوسف غراب، وظل الأمر غير مقتع كلما شاهدنا الفيلم، اجمل ما فى الفيلم الأمريكى هو الدور الذى جسده فيكتور مكلجلين، هو ضخم الجسم مثل عدلى كاسب، لكنه خفيف الظل جدا، بما يعنى انه ليس شريرا، وبعد المشاجرة المضحكة التى يغرق طرفاها فى الطين الوحل، فإنه يقوم بتسليم المهر من الذهب إلى الاخت، ويذهب النسيبان إلى الحانة لتبادل الانخاب، ما يعنى أن العلاقات الأسرية تظل وطيدة، كما ان الزوجة تأخذ زوجها إلى الكوخ الجديد، علما اننا امام واحد من أفلام الويسترن التى برع جون فورد فى تقديمها، وكان بطله دوما جون واين.
بالطبع هناك اختلاف ملحوظ بين العالمين، ففى الفيلم الأمريكى نتعرف على عوالم مليئة بالبهجة وحب الحياة، فالأشخاص هم بولنديون أقاموا فى الربوع الأمريكية، وللمرة الأولى يتخلى جون واين عن وقارة ويقوم بتقبيل رفيقته اكثر من مرة فى أماكن فاتنة من الطبيعة يتمنى كل عاشق لو كان هناك، ولن أنسى ابدا مشهد الحبيبن تحت المطر، يمنحها سترته ويتبلل قميصه، وتلفه بعناقها، ورغم كل الحب فإنها تعايره انه جبان لا يستطيع احضار مهرها من أخيها، وشون الزوج هذا ملاكم قديم اعتزل اللعبة بسبب أنه تسبب فى موت منافسه على الحلبة فقرر أن يكون مسالما تماما، ومن هنا جاءت تسمية الرجل الهادئ، فهو لا يريد اللجوء إلى الملاكمة، وبالطبع فإن الامر يختلف بالنسبة للمدرس الذى يتغلب على جزار متعاف قوي.
وهناك مشاهد متواجدة فى الفيلمين، منها قيام الزوج بضرب زوجته امام أخيها، بقصد إهانتها، فكما اشرنا فإن المعركة اكتست بلون الدعابة، كما أن مشهد السرير الذى ينكسر فى ليلة الزفاف وساعة الصلح يبدو بالغ السحرعلى يدى جون فورد، كما تشابهت المواقف حين قرر الزوج أن يفترش الأرض ولا ينام إلى جوار عروسه، والسرير الذى ينكسر مرة واحدة فى الفيلم الأمريكى ومرتين فى السفيرة عزيزة.
كان الزوج حازما مع عروسه وهى تخبره انها سوف تصير له بعد أن يسترد لها الوديعة من الأخ، بما يعنى انه ليس فى حاجة اليها، فتؤدى له جميع الخدمات المنزلية عدا ان تعطيه جسدها الا بعد ان تأخذ مهرها، فما كان من العريس إلا أن قبل امرأته وحملها بين ذراعيه ليرمى بها فوق الفراش الذى يتكسر،
هناك فارق آخر، فالزوجة مصرة أن تحصل على المهر، ليس لأنها تريدها بل لأن هذه هى العادات الأيرلندية، فهى سرعان ما تتقبل زوجها وأخاها ويتم تبادل النخب وتناول الغداء معا، ولعل هذا يختلف عن جو العنف والكراهية التى زرعتها الأخت بين الرجلين.
من أجمل ما فى العلاقات فى الفيلم الشد والجذب التى تدور بين الزوجين مارى وشون، جسدها ثنائى عمل معا كثيرا فى السينما الأمريكية وهما جون واين ومورين اوهارا، فهى نافرة دوما، حتى ينتهى المشهد بين ذراعيه تشتهيه بقوة.
الفيلم المصرى كتبه أمين يوسف غراب، الأديب الذى اكتشفنا هنا انه يقتبس افلامه، أما طلبة رضوان فإن اعماله الاخرى ذات مصادر أجنبية، ومنها «قصة ممنوعة» المأخوذ عن «مدرسة الأزواج» لموليير، ويجب البحث عن أصول فيلمه «المصيدة» التى من المؤكد ان أجواءها ويسترن، ما يعنى أهمية اكتشاف المزيد من المجهول ففيلم «الرجل الهادئ» مأخوذ عن رواية ايرلندية باسم «موقع امسية السبت» للكاتب موريس والش منشورة عام 1933