.اقتراح د. زهران.. نوايا طيبة تقود إلى الجحيم - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 10:00 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

.اقتراح د. زهران.. نوايا طيبة تقود إلى الجحيم

نشر فى : الأحد 12 أكتوبر 2014 - 8:35 ص | آخر تحديث : الأحد 12 أكتوبر 2014 - 8:35 ص

 سيكون خبرا سيئا أن تأخذ القيادة السياسية بنصيحة الدكتور جمال زهران القديمة المتجددة بتأجيل الانتخابات البرلمانية، وإعادة تشكيل الأحزاب السياسية فى كيانات كبيرة.

أعرف الدكتور جمال وأدرك مدى وطنيته، ونزاهته، ومثاليته، ونواياه الطيبة، لكن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة.

تأجيل الانتخابات موضوع جدلى، وحسمه رئيس الجمهورية بالقول إنها فى موعدها، وهو قرار صائب، لأن التأجيل لن يغير من الواقع السياسى كثيرا، حتى لو انتظرنا خمس سنوات!!.

المشكلة هى اقتراح إعادة تشكيل الأحزاب، بحيث يكون لدينا ثلاثة كيانات سياسية كبيرة هى اليمين واليسار والوسط..

أشاطر وغيرى كثيرون الدكتور جمال زهران فى خيبة أمله من التجربة الحزبية المصرية، لكن ثبت أن حل الأحزاب ليس هو الحل.

جمال عبدالناصر حل الأحزاب أوائل عام ١٩٥٣ بعد شهور قليلة من اندلاع ثورة يوليو 1952، وربما كان معذورا وقتها، لفساد الحياة السياسية وارتباطها إما بالقصر أو المحتل البريطانى، أو عجزها عن فعل أى شىء.

وجاء السادات وحاول بناء تجربة حزبية جديدة لكن داخل «صوبة النظام»، ثم اخترع مبارك فكرة الأحزاب الكرتونية والأنبوبية والشقق المفروشة، وحاصر الأحزاب الجادة وترك الأحزاب الدينية تمرح وترتع حتى قفزت إلى السلطة فى نهاية 2011.

لنناقش فكرة د. جمال زهران بهدوء، وبعدها سوف نكتشف أن حكاية الدمج فى كيانات كبيرة أو منابر أو اتجاهات لن تنجح مع الأسف، لأن الأمر لايحل بالأمنيات والتمنيات والقرارات بل بالظرف الموضوعى ومدى جاهزيته، وهو جهد الأحزاب نفسها من جهة، ورغبة الدولة وأجهزتها فى وجود أحزاب حقيقية وأن تتحمل الفاتورة كاملة، من جهة أخرى.

إذا ترجمنا عمليا اقتراح الدكتور زهران فهذا يعنى أننا سنضع السيد البدوى وكوادر الوفد مع نجيب ساويرس وكوادر المصريين الأحرار مع بقية الشخصيات والقوى الليبرالية فى حزب أو تيار واحد اسمه «اليمين»، فهل ستنجح التجربة ؟!. الإجابة أن هذه القيادات والشخصيات فشلت حتى فى التوافق على التحالف أو التنسيق الانتخابى، فهل ستنجح فى الاندماج الفكرى والسياسى؟!. الأمر نفسه ينطبق على اليسار، الذى ظل مشرذما ومنقسما لسنوات طويلة.

قبل أسابيع قال لى السيد عمرو موسى إنه فوجىء بأن العراقيل الرئيسية للتحالف الذى كان يسعى لبنائه جاءته من أشخاص لم يكن يتوقعهم بالمرة.

صحيح أن غالبية سياسيينا لديهم أوهام بأنهم مرسلون إلينا من السماء، ورغم أنهم عاجزون عن تجميع مظاهرة من عشرة آلاف شخص، لكن الحل لايكون بإلغاء الأحزاب، أو وضعها فى قوالب.

لدينا أكثر من ثمانين حزبا ولانشعر بها، فما الذى يضيرنا إذا استمرت؟!. لندعها كامنة فى مقارها الوهمية، والشارع وثقة الناس وصناديق الانتخابات هى التى ستحدد من لديه قوة حقيقية على الأرض.

ما الذى يضيرنا إذا كان هناك ثلاثة أحزاب أو حتى عشرة باسم السادات أو عبدالناصر؟!.

جوهر المشكلة يادكتور جمال ليس عددها بل قدرتها على الوصول للناس وتأثيرها فيهم.

الأحزاب لاتنشأ بقرارات أو رغبات، بل بوجود مؤسسات سياسية وتوازنات مجتمعية، ونخب ترفع الوعى السياسى.

يادكتور جمال تجربة السادات فى إنشاء المنابر الثلاثة بقرار عام ١٩٧٦ والتى تحولت بعدها بعام إلى ثلاثة أحزاب هى «التجمع» لليسار و«الأحرار» لليبراليين ومصر «للوسط» الذى تحول لاحقا إلى الحزب الوطنى لم تنجح، لأنها كانت فوقية.

أفضل شـىء تفعله الحكومة أن تشجع الأحزاب وتدعمها فى حدود القانون والدستور، بدلا من تكريس الانتخابات على أسس فردية قبلية.

يادكتور جمال، الأحزاب «فيها اللى مكفيها»، واقتراح حضرتك ونواياك الطيبة سيقتل مابقى من رمق فى الحياة السياسية وليس العكس.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي