فى وقت يحتفل فيه العالم بإلقاء الضوء على أهمية صحة الإنسان النفسية جاء خبر تعيين أول وزيرة لمكافحة الانتحار فى بريطانيا فى العالم ليؤكد اهتمام العالم المتحضر بتلك الظاهرة الإنسانية.
رئيسة الوزراء البريطانية اختارت السيدة جاكى دولى برايسى كوزيرة «لشئون الصحة العقلية وانعدام المساواة ومكافحة الانتحار».
جاء اختيارها بعد أن قدم أصحاب الشأن الصحى إلى رئيسة الوزراء تيريزا ماى تقريرا طبيا يفيد بأن هناك على الأقل أربعة آلاف وخمسمائة حالة انتحار تتم بنجاح تتنهى بوفاة الإنسان الذى يحاول إنهاء حياته فى بريطانيا فى كل عام. أيضا أن الاضطرابات العقلية التى تبدأ منذ سن الطفولة وتبدو جلية فى سن المراهقة إذا ما أصابت ستة أفراد عولج بنجاح منها حالة واحدة يتم تشخيصها تشخيصا سليما أو وبمعنى آخر ينجو إنسان واحد من أصل ستة من المرضى ليظل الخمسة الباقون تهديدا للمجتمع تنذر بعواقب وخيمة للمرضى وعائلاتهم.
إذن بالفعل هو قرار حكيم ذلك الذى استدعى تخصيص وزارة بكامل هيئتها وأعمالها للاهتمام بالأمر لما له من تأثيرات على المجتمع.
اهتمامى بوزيرة مكافحة الانتحار جاء فى وقت ملائم تماما فمن نعم الله سبحانه على أن رزقنى برزق الأصدقاء من ذوى العقول الراجحة والنفوس الشفافة والضمائر المهمومة بمجتمعها.
منهم صديقتى الأثيرة «هالة فرغلى» زميلتى فى المهنة رفقة معهد القلب القومى العزيزة، منذ فترة لفتت نظرى إلى تزايد نسبة محاولة الانتحار فى مصر وكان منها أن دأبت يوميا على إرسال رسالة ما أن أفتحها حتى أفاجأ بتفاصيل حالة انتحار يبدو أنها تختارها بعناية الأمر الذى يربكنى فلا أملك أدنى مقاومة لما يداهمنى من حزن وألم ومرارة طوال النهار.
هى بالطبع لا تقصد إيذائى إنما تحاول أن تدفعنى للكتابة ومناقشة تلك الظاهرة الخطيرة التى طالما سلكنا حيالها سلوك النعامة التى تدفن رأسها فى الرمال محاولة الاختباء من خطر تواجهه فتخفى وجهها بينما السواد الأعظم منها هدف لمرماه. عشنا زمنا ندعى أن إيمان الشرق يحمى الإنسان المصرى من إيذاء النفس التى صاغها الرحمن بالحق الذى لا يعرفه الغرب الملحد.
فهل يظل الحال على الهروب من أمراضنا النفسية والعقلية والاجتماعية بتجاهلها بدلا من محاولة رصدها وتشخيصها والعمل على مكافحتها؟
الواقع أننى أرى أن المرض النفسى أو العقلى لم يعودا المبرر الوحيد للجوء للانتحار بل أرى أن هناك بعدا اجتماعيا خطيرا يسرى فى فى خفة الحية فى نسيج الصحة النفسية للمجتمع المصرى.
ست وثلاثون حالة انتحار خلال فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر سجلتها صديقتى ذات القلب المثقل بهمون الناس فى بلدها احتفظ بها على بريدى للتواصل الاجتماعى كلها مختلفة لكنها فى النهاية تدور فى فلك واحد العجز عن تحقيق الذات والحياة بكرامة وإنسانية.
لم يسجل هذا التقرير الحى الواقعى بين تلك الحالات إلا ثلاثة فقط يعانون عجزا عن مواجهة نفقات الحياة أو مشكلاتها الاجتماعى أو فقدانهم للثقة بالنفس واستغلال الآخرين لهم وتنمر البعض بهم وتهديدهم ثم فى النهاية الفقر الذى يحتاج عودة على بن أبى طالب ليقتله.
عزيزتى هالة: أرى منصبا شاغرا فى الوزارة الحالية يوافقك تماما والملف جاهز فهل تقبلين؟
كونى إذن من أولى العزم ونحن جميعا معك.