لا تحاول أن تنظر إلى ورقة التقويم على حائط منزلك لتتأكد أنك تعيش فى عام 2012، حتى لو عرفت أن عدة أسر مصرية صدر حكم عرفى برعاية رسمية، بتهجيرها من منازلها، وبيع ممتلكاتها، وإخراجها من قريتها عقابا لها على «خطأ» أحد أفرادها.
المؤكد أنك تعيش فى 2012، لكنك لابد أن تسأل الدولة «المجلس العسكرى والحكومة ووزارة الداخلية» إذا كانت مقتنعة مثلك بهذه البديهية أنهم يعيشون فى 2012، وأن تسأل البرلمان بأغلبيته وأقليته، بإسلامييه ويسارييه وليبرالييه إذا كان لدى أحدهم شكوك فى حقيقة الزمن، حتى لو كان لدى البعض منهم هوى وحنين لماضٍ عزيز، فحتى هذا الماضى لا يشبه ما جرى بقرية النهضة بعامرية الإسكندرية، هى أشياء تشبه «الجاهلية» التى جاءت رسالة الإسلام لتخرج الناس منها، وربما تحتاج لقدر من الاعتذار للجاهلية.
مواطن مصرى مسيحى أقام علاقة مع مواطنة مصرية مسلمة، فتشكلت لجنة عرفية بعيدا عن القانون، وبحضور ممثلى الدولة وأجهزتها الأمنية، وممثلين عن الأحزاب السياسية النافذة فى المنطقة، وحكمت اللجنة العرفية فى «دولة القانون» بتهجير ما بين 5 إلى 8 أسر من القرية وتشكيل لجنة لبيع ممتلكاتهم، ومنعهم مجددا من العودة للقرية.
أريدك فقط أن تسأل من أصدروا هذا الحكم ومن تكفلوا برعايته، إلى أى سند فى القانون جاء إذا كان له سند قانونى، وإلى أى سند فى الشرع جاء إذا كان له سند شرعى، وإلى أى سند فى الإنسانية جاء إذا كان له سند إنسانى، إلى أى شريعة سماوية أو أرضية، إلى أى مذهب دينى أو قانونى أو فلسفى، هم يسمونه حكما عرفيا، وأنا أريدك أن تعرف لأى عرف يستند هذا الحكم، خاصة عندما تعرف أن الشرطة التى من المفترض أن تعمل القانون وتنفذه قبلت هذه الصيغة وأجبرت الأسر المسيحية على قبولها تحت تحت زعم أن أحدا لن يستطيع ضمان أمنهم لو لم يقبلوا.
الدولة تتخلى عن مواطنيها بنذالة منقطعة النظير، والمجتمع يتخلى عن أخلاقه ودينه وإنسانيته، برضا يجعله يقبل بعقاب جماعى لم نسمع عنه فى التاريخ الحديث إلا مع الجرائم العنصرية والإدعاءات النازية والصهيونية، أهل: «لا تزر وازرة وزر أخرى» يعاقبون عائلات بأكملها بسبب خطأ شخص، فيما يتصدرون فى قضايا قتل المتظاهرين، مطالبين بقبول الدية والعفو.
دعك من الدولة وتعال للبرلمان المنتخب الذى أقسم على حماية الشعب «كل الشعب» حتى لو أضاف البعض على القسم «بما لا يخالف شرع الله» أو قال آخرون «وحماية أهداف الثورة» إلى كل برلمانى إسلامى يؤمن أنه جاء ليقيم شرع الله، أقم شرع الله فى العامرية، وإلى كل ليبرالى يدعو للمسئولية الفردية، وإلى كل يسارى يدعو للعدالة.. أين شرع الله وأين العدالة فى العامرية؟
إلى كل من يناضلون من أجل شرعية البرلمان ودولة القانون، ألا ترون فى الجلسات العرفية إسقاط للبرلمان والقانون أم أنكم تكيلون بمكيالين مثل كل الطائفيين والنازيين والعنصريين.
ما جرى بالإسكندرية عار على القانون إن جاء باسمه وعلى الإسلام إن استند إليه، وعلى الأخلاق لو احتج بها، وعلى تاريخ مصر وحضارتها وثقافتها، عار على بلد بدأ فيه الإسلام بقول عمر بن الخطاب «إضرب ابن الأكرمين».. وعلا فيه قول الحق: «لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى».. هو أقرب للتقوى.