التجربة الألمانية - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التجربة الألمانية

نشر فى : الأربعاء 14 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 14 مارس 2012 - 8:00 ص

«اطعم الفم.. تستحى العين»، مثال يفسر سر سيطرة الحكومات على الإعلام.

 

فى ألمانيا لا تستطيع الحكومة «كسر عين» الإعلام العمومى «يساوى الحكومى عندنا» لأنها لا تدفع رواتب الصحفيين والإعلاميين، ولا تقدم لهم «البدل».

 

كل مواطن ألمانى لديه جهاز تليفزيون «باستثناء الطلاب والفقراء» يدفع 17 يورو شهريا أى نحو ثمانى مليارات يورو سنويا يتم توجيهها للإنفاق على الإعلام العمومى، «شبكتان تليفزيونيتان وإذاعات محلية». كما أن كل صاحب سيارة يستقبل بثا إذاعيا يدفع 5.5 يورو شهريا «بدل إذاعة».

 

إذن الذى يصرف على الإعلام هو المواطن دافع الضرائب أو الدولة الألمانية وليس الحكومة وهناك فارق كبير بين المصطلحين.

 

وعلى حد تعبير كريستوف لانز، رئيس قسم الوسائل المتعددة الدولية فى مؤسسة دويتشه فيلا فإنه كان من المربح أن تكون هناك إذاعة واحدة تصرف عليها الدولة ــ لكن الخوف من شبح جوبلز وزير دعاية هتلر الذى استغل الإذاعة كأبشع ما يكون ــ جعلهم ينشئون 11 إذاعة تابعة للولايات حتى تكون بمنأى عن سيطرة الحكومة.

 

الإعلام العمومى فى ألمانيا يرتكز على مفهوم رئيسى هو ضمان الاستقلالية فيما يخص محتوى البث وإدارة المؤسسة وميزانيتها وبما أن «من يملك التمويل يملك السلطة» فقد تم الاستنتاج بأنه لا ينبغى للحكومة المركزية أن تمول الإعلام بل يتم ذلك عن طريق الرسوم التى يدفعها المواطن العادى.

 

الذى يقرر هذه الرسوم «التشاركية» ليست الحكومة ولا البرلمان الفيدرالى، بل لجنة مستقلة تحدد الاحتياجات المالية للبث.

 

كما ان برلمانات الولايات ــ وليس البرلمان المركزى البوندستاج ــ هى التى تعين أعضاء هذه اللجنة وتشترط أن يكونوا خبراء إعلاميين وليسوا سياسيين وألا يكون لهم مسئولية آنية فى مناصب بالمؤسسات الإعلامية .

 

وبما أن برلمانات الولايات تتشكل من أحزاب لها ميول سياسية فهى لا تختار إلا ثلث أعضاء اللجنة فقط، أما الثلثان الباقيان فيتم اختيارهما من قبل المؤسسات الرئيسية الفاعلة فى المجتمع مثل النقابات والهيئات واتحادات العمل ومؤسسات المجتمع المدنى والكنيسة ومدة هذه اللجنة أو المجلس تصل لنحو ست سنوات.

 

هذه اللجنة هى التى تنتخب مدير عام للقناة، وتناقشه فى خططه للنهوض وبعد أن توافق على هذه الخطط تتركه يعمل بحرية ثم تحاسبه.

 

وفى كل الأحوال لا توجد رقابة مسبقة من اللجنة على الوسيلة الإعلامية، لكنها تبحث الشكاوى الواردة التى تتم أثناء البث.

 

تبدو الديمقراطية فى مرات كثيرة معوقة وبطيئة ومزعجة لكن ميزتها الرئيسية أنها تمنع ظهور الاستبداد أثناء الإدارة سواء كان استبداد الفرد أو المؤسسة أو الحكومة أو الدولة.

 

هذا النموذج الألمانى أثبت نجاحه فى السياسة وفى الإعلام بعد المأساة التى سببها هتلر، لكن هل هو صالح للتطبيق فى مصر فورا؟!

 

سؤال وجهه مسئول إعلامى ألمانى، وكأن ردى أن لكل بلد ظروفه وواقعه ويصعب استنساخ الحلول الخارجية، وعلينا أن ندرس كل التجارب العالمية ونبدأ فى تطبيقها بما يلائم ظروفنا.

 

هل يتذكر أحدكم أن تجربة اتحاذ الإذاعة والتليفزيون فى مصر عندما ظهرت كانت تشبه النموذج الألمانى أو حتى البريطانى إلى حد كبير، لكن النقطة المهمة التى علينا أن ننتبه إليها هى أن النصوص البليغة عن الحريات والاستقلالية لا قيمة لها من دون مؤسسات تطبقها على الأرض، وديمقراطية حقيقية يؤمن بها الجميع والأهم من كل ذلك شعب يدافع عن حقه فى الحصول على إعلام مستقل بعيدا عن تأثير الحكومة وتأثير أى احتكار مهما كان اسمه، سواء كان عاما أو خاصا أو حزبيا أو تحت لافتة الدين أو العرف أو الجنس.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي