مصارحة الشعب ضرورة واحترامه واجب قبل فوات الأوان - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 4:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصارحة الشعب ضرورة واحترامه واجب قبل فوات الأوان

نشر فى : السبت 13 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 13 أبريل 2013 - 8:00 ص

عامان بعد ثورة 25 يناير ومصر تعيش نصرا بطعم الهزيمة لسوء إدارة المجلس العسكرى للجزء الأول من المرحلة الانتقالية، بمفهوم أمنى على حساب النظرة السياسية الواجبة ولإخفاق التيار السياسى غير الدينى فى التوحّد فبعثر مؤيديه بين المرشحين فى الانتخابات ولسعى التيارات السياسية الدينية الإخوانية والسلفية فرض فلسفتهما السياسية على الآخرين، بدلا من تحمل مسئولية قيادة البلاد، بمختلف طوائفها وفئاتها دون تفرقة أو تمييز.

 

محصلة الثورة حتى الآن صحوة مجتمعية مباركة مصحوبة بإحباط شديد واستقطاب حاد استبدلنا فيها قيادات الماضى وخلفياتهم العسكرية دامت ستون عاما بأخرى سياسية دينية وكلاهما يؤمن بالتسلسل القيادى الصارم، المؤسسة العسكرية من منطلق أن المهام القتالية دفاعا عن الوطن تتطلب ذلك، والتيار الدينى من منظور أيديولوجى منغلق يجمع الفصيل أو العشيرة الواحدة، فى حين كان المستهدف بالثورة قيادة متفتحة جامعة للمدنى والدينى والعسكرى وكل المصريين، كلٌ له مكانه واحترامه دون إقصاء فى منظومة مجتمعية جديدة، تشجع الرأى والرأى الآخر، تحترم حقوق الإنسان، تسهل الربح المشروع وتوفر العدل الاجتماعى وتعيد إلى الدولة هيبتها المستندة على التطبيق الكامل والأمين للقانون وتحمى وتحصن مؤسستنا العسكرية وتمكنها من التركيز على مهمتها الرئيسية تأمينا للبلاد.

 

●●●

 

أيد المواطن المصرى الثورة وأعطى التيار السياسى الدينى الأغلبية متطلعا إلى منظومة سياسية أوسع انفتاحا ومعادلة اقتصادية أكثر كفاءة تضمن له حرية الرأى وتوفر للطبقة الوسطى الأمل فى حياه أفضل، فوجد نفسه بين المطرقة والسندان يعيش فى كابوس بين الإفلاس والانهيار الاقتصادى أو مخاطر تحميل الأجيال القادمة مديونية قروض ضخمة ضرورية تشكل عبئا ثقيلا على نموها واستقرارها مستقبلا، فضلا على ما ترتبه من نفوذ للدول والمؤسسات الدولية الدائنة على القرار المصرى لسنين طويلة مقبلة.

 

يذكرنى ما نمر فيه الآن بالأعوام التالية لنكسة 1967 مباشرة، بصعوبتها وغيومها على المجتمع المصرى والذى فقد حينذاك ثقته فى النفس وفى المستقبل وانقسم على نفسه بين مؤيد ومعارض لثورة 1952 وللمؤسسة العسكرية المصرية، ولم تتجاوز البلاد تلك المحنة وتستعيد ثقتها إلا بعد تقويم السلطة الحاكمة لفلسفتها جزئيا بالاعتماد على الكفاءات والخبرة بدلا من أهل الثقة والمحسوبية واستعادة المؤسسة العسكرية لهيبتها ومصداقيتها لدى المواطنين بالتركيز على الحرفية العسكرية الشديدة وتغيير خطابها العام، فاحتضنها الشعب مجددا كمؤسسة وطنية تصون أمن البلاد وولاءها للشعب والوطن مما مهد الطريق لنصر أكتوبر العظيم.

 

●●●

 

من نفس هذا المنطلق، وبصرف النظر عن أخطاء ومسئوليات الغير، أرى أن على الرئيس مرسى والمؤسسات الحاكمة من جانب والتيار السياسى الدينى من جانب آخر باعتبارهم أصحاب السلطة والأغلبية المبادرة باتخاذ قرارات مماثلة لإعادة تقويم مسارهم ومسار البلاد قبل أن يفلت الزمام المجتمعى كله وتفقد مؤسسات الدولة القليل المتبقى من هيبتها وخاصة مؤسستى الرئاسة ومجلس الوزراء وكذلك وزارة الداخلية المنوط لها توفير الأمن والأمان للمواطنين.

 

هناك الكثير مما يُقال فى هذا السياق، وإنما نقطة البداية والقضية الحاكمة هى احترام الشعب المصرى بمصارحته بالمواقف والسياسات والمعلومات فالنظم الديمقراطية هى نظم جدلية حوارية فى المقام الأول تنبنى على المحاسبة والمنافسة، فإذا لم يبادر السياسيون بإعلان المواقف وشرح السياسات وتوفير المعلومات الدائمة له يعنى هذا أنهم لا يحترمون الناخب والمواطن ولا يمكنونه من القيام بدور فى تقييم الإنجاز والإخفاق ويجعلون سياساتنا فريسة للتنويهات والإيحاءات والشائعات والافتراءات ونظريات المؤامرة.

 

وعلى سبيل المثال لا الحصر صدرت تصريحات بعد زيارة الرئيس للصين وباكستان والهند عن استثمارات صينية بستة مليار دولار وأخرى باكستانية وعلاقة إستراتيجية مع الهند فأين تلك الاستثمارات الصينية بعد مرور ستة أشهر على الزيارة وكيف نتوقع زيادة استثمارات باكستانية واقتصادها معدوم وما طبيعة العلاقة الإستراتيجية مع الهند الآن، وأخيرا، ونحن الآن نسعى للاقتراض من صندوق النقد الدولى وليبيا والعراق صرح الرئيس شخصيا بأن مصر ستتعافى خلال ستة أشهر إذا ساعدها الأصدقاء وبعد ثلاثة أشهر إضافية إذا اعتمدت على نفسها فقط، وهل التعافى يعنى الاقتراض لتسديد العجز فى الميزانية أم الاستثمار فى البنية الأساسية والتصنيع أم وصول عوائد سياسات اقتصادية سليمة إلى المواطن المصرى الأمر الذى سيحتاج بالتأكيد إلى ما يزيد على تسعة أشهر، وحدثنا رئيس الوزراء عن فوائد قرض صندوق النقد وأنا لست ضده من حيث المبدأ لأننا حفرنا لأنفسنا حفرة يصعب الخروج منها دون إضافة موارد مالية وإنما إذا كانت المسألة هى مجرد ثلاثة أشهر إضافية كما ذكر الرئيس إذا نحن لسنا فى أزمة ولا داعى للاقتراض. وألم يكن من الأفضل أن يشرح لنا الدكتور قنديل البرنامج الاقتصادى المصرى الذى على أساسه نقترض من الصندوق أو غيره حتى نطمئن أن السياسات سليمة تمكننا من تسديد المديونية التى لابد منها أم سنظل حتى بعد الثورة نتحدث بعبارات مطاطة ونتبادل معلومات مع الغريب قبل توفيرها للمواطن المصرى.

 

●●●

 

وأطالب الرئيس بمخاطبة الشعب واتخاذ مواقف محددة من القضايا الداخلية اليومية العامة فهو الرئيس المنتخب لمن أيده أو عارضه وعليه مسئولية قيادة حوار مستمر ومتحضر مع المجتمع المصرى من موقعه كرئيس لكل المصريين وبصرف النظر عن توجهات حزب أو تيار سياسى فلم نسمع منه صوتا عاليا أو مبادرا ضد الفتنة الطائفية إلى أن ارتفع عدد القتلى والجرحى أو منددا بالتحرش ضد النساء ردا على اتهام المخابرات العامة بتدريب البلطجية وكلها قضايا واجبة موقف سريع من حيث المبدأ بصرف النظر عما يجرى من تحقيقات.

 

وعلى الرئيس مصارحة الشعب بآرائه الشخصية فى القضايا السياسية الداخلية المهمة فهذا واجب عليه تجاه الشعب الذى انتخبه والذى سيعود إلى الصندوق الانتخابى تباعا، فليطرح مواقفه ويدافع عنها أمام الشعب ومع التيارات السياسية المختلفة، من حق الشعب معرفة رأى الرئيس الذى انتخبه حتى إن كانت القرارات فى النهاية محصلة توافق بين التيارات السياسية المختلفة، فما هى المواد الدستورية التى يراها واجبة التعديل وما القواعد التى يجب أن تحكم قانون الانتخابات القادمة وما هو موقفه من الضمانات المطلوبة لضمان حيادتها. هناك أسئلة كثيرة يجب على الرئيس الإفصاح برأيه الشخصى بشأنها خاصة وقد وردت لى معلومات من مصادر أجنبية متنوعة أن الكثير من هذه القضايا نوقشت مع الرئيس بالتفصيل وأنه وعدهم بمواقف محددة بشأنها ومرة أخرى أعتقد أن المواطن المصرى أولى بمعرفة مواقف الرئيس قبل التحاور فى شأنها مع ممثلى الدول الأجنبية.

 

●●●

 

هناك الكثير أمام مصر حتى تسترد عفيتها وسنواجه المزيد من الكبوات والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية قبل أن يصلح الحال ولن نجد طريقنا إلا إذا احترمنا بعضنا البعض وأيقنا أن الحكم مسئولية والشعب هو صاحب الوطن وقوامه وأن علينا محاورته ومجادلته ومصارحته بالمواقف والمعلومات والمبررات. فهو صاحب الحق الأصيل فى توجهات هذا البلد وقراراتها، خاصة فى هذه المرحلة التاريخية الحساسة والمعقدة.

 

 

 

عميد كلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات