«الحشاشين».. الدراما والتاريخ مرة أخرى! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 7:42 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الحشاشين».. الدراما والتاريخ مرة أخرى!

نشر فى : السبت 13 أبريل 2024 - 5:25 م | آخر تحديث : السبت 13 أبريل 2024 - 5:25 م

- 1 -

مثلى مثل الذين شاهدوا مسلسل «الحشاشين» من تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج بيتر ميمى وبطولة كريم عبد العزيز ونخبة ممتازة من نجوم الدراما المصرية، والمذاع على الشاشات والقنوات الفضائية على مدار الشهر الكريم، تابعتُ الجدل المثار، وما زال حتى اللحظة، حول المسلسل وهل هو «مسلسل تاريخى» أم مجرد دراما مستقاة من التاريخ، ومن وحيه كما صرح صناعه بوضوح وكتبوا على تتر المسلسل (من وحى التاريخ أبطال وأباطيل). وانتظرت حتى انتهت حلقاته الثلاثون، وخُتم المسلسل فى نهاية الشهر الكريم، ليفتح الباب على مصراعيه أمام عشرات التفسيرات و«التأويلات» والقراءات المتعارضة حول الموضوع التاريخى (نشأة تنظيم الحشاشين والرعب الذى أشاعه) والشخصية موضوع المسلسل (شخصية الحسن الصباح)، والعلاقة بين الدراما والتاريخ، والعلاقة بين الدراما والأيديولوجيا، ومشروعية الإسقاط وتوجيه الرسائل من عدمه.. إلخ ما قيل وما يقال فى هذا الشأن، وعشرات الصفحات التى سودت، ولا أظن أنها تنتهى، ما ظل الباب مفتوحًا على مصراعيه فى الاشتباك الحاصل بين هموم اللحظة الراهنة، والالتجاء إلى التاريخ لاتخاذه قناعا أو ذريعة أو سببا إما للهروب من وطأة اللحظة الثقيلة التى تحاصرنا بهمومها وتحدياتها فى السنوات الأخيرة أو لإسقاط بعض من شواغلها وأسئلتها (بحسب انحيازات وقناعات الطرف الذى يبدى هذه الشواغل أو يطرح هذه الأسئلة) على تلك المرحلة أو تلك.. إلى غير ذلك من المسارات والأفكار التى راوحت بين القبول والرفض، والانحياز المطلق للمسلسل وما يطرحه، أو الرفض التام والهجوم الشرس عليه، وعلى صناعه، واتهامهم بتزوير التاريخ أو اتخاذ الفن ذريعة لإيصال رسائل بذاتها فى لحظة بذاتها لإحداث تأثير معين!

- 2 -

وأنا لا يشغلنى الجدل المثار فى ذاته، وقد كتبت مرارًا عن هذه القضية؛ العلاقة بين الفن والتاريخ (فى الرواية عموما، والدراما الإذاعية والتليفزيونية) واتخذت من مسلسلات وعروض سابقة نماذج للتحليل وبسط هذا الرأى، لكن الجديد والمثير هذه المرة فى مسلسل «الحشاشين» هو تلك المساحة الملتبسة فعلا، الغائمة فعلا، الرمادية فعلا، بين آفاق الفن بكل طاقته التحررية وإبداعه الخلاق والمبتكر، وبين قيود الفكرة المحددة سلفا أو الرسالة الضمنية التى ألحَّ المسلسل فى إبرازها أو إيصالها متخذا من السيناريو والحوار الذى كتبه المبدع القدير عبد الرحيم كمال، صاحب الأعمال العظيمة فى تاريخ الدراما المصرية والعربية، متخذا ذريعة وقناعا لتمريرها فى ثنايا السرد وفى جمل الحوار بين شخصيات المسلسل. فى نظرى المتواضع أن عبد الرحيم كمال - وهو من هو فى عالم الكتابة الدرامية، وصاحب الأعمال الرائعة «شيخ العرب همام»، و«الخواجة عبد القادر» و«أهو اللى ده صار» وغيرها - كان فى تلك الأعمال بكامل حريته وطاقته فى التخييل والابتكار وإطلاق العنان للخيال الإبداعى فى خلق شخوصه ورسم ملامحهم وتخليق أزماتهم الذاتية، والبحث عن دواخلهم ودوافعهم بحرية واقتدار، فكانت النتيجة ظهورا فذا وغير مسبوق لشخصية شيخ العرب همام فى الملحمة الدرامية التى أبدعها فى 2010، حتى وإن كانت لم تلتزم حرفيا بما أوردته المصادر التاريخية، وكذلك فى شخصية الخواجة عبد القادر (2012) النموذج الإنسانى الرحب لإسلام المحبة والسماحة والانشغال بخالق الكون عن مخلوقاته..

- 3 -

أتصور أن شخصية الحسن الصباح التى سعى عبد الرحيم كمال لكتابة سيرة درامية متخيلة لها لم يكن ممارسا لأقصى طاقاته كما مارسها فى الأعمال السابقة، وربما يكون ذلك لجملة أسباب ربما كان أهمها من وجهة نظرى هى غموض الشخصية ذاتها وشح المصادر الموثقة التى يمكن أن تقدم صورة دقيقة وكاملة لحياة الرجل الذى شاعت عنه الأساطير أكثر مما بقى من الحقائق! ومهما بدا أنه تصرف تصرفا كاملا فيما وصلنا من وقائع وأعمال تاريخية أو «أدبية» تناولت شخصية الرجل الغامض المرعب ساكن وحاكم قلعة آلموت الرهيب، فإنه ظل محكوما من البداية إلى النهاية بإطار محدد ومقيد منعه - فيما أتصور - من إطلاق العنان لاكتشافات أخرى أبرز وأعمق مما ظهر على الشاشة عن هذه الشخصية الغريبة، وعن هذا التنظيم السرى الإرهابى الذى أسسه وأشاع به الرعب فى العالم الإسلامى فى العصور الوسطى من أواسط آسيا وحتى حدود الدولة الفاطمية على تخوم المغرب! وربما كان هذا السبب (الخيال المتعقل) إذا استعرنا لغة ومصطلحات النقاد فى كتابة هذا المسلسل المهم هو الذى يفسر التفاوت الكبير والرهيب فى ردود الأفعال حوله، وحول تلقيه والاستجابة له فى مصر وخارجها، وبالمناسبة فإن هذا الأمر هو فى النهاية نجاح كبير للمسلسل وصناعه وللقائمين عليه مهما كانت الملاحظات والآراء والقراءات، وهذا لا بد من الانتباه له والالتفات إليه عند طرح أى مقاربة أو قراءة لهذا العمل الكبير والمهم والخطير أيضا.. (وللحديث بقية)