وما أدراك ما نوى؟ - سمير العيطة - بوابة الشروق
الثلاثاء 15 أبريل 2025 8:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

وما أدراك ما نوى؟

نشر فى : الأحد 13 أبريل 2025 - 6:25 م | آخر تحديث : الأحد 13 أبريل 2025 - 6:25 م

توغلت القوات الإسرائيلية فى بلدة نوى فى حوران بسفح جبل الشيخ. واشتبك معهم الأهالى بالسلاح ودافعوا عن بلدتهم وكرامتها وكرامة أهلها والشعب السورى. واستشهد منهم تسعة. هذا فى بلد تم حل جيشه وتقوم إسرائيل يوميا بقصف وتدمير منشآته وتهدد بأنها ستضع عاصمته دمشق تحت هيمنتها وصولا إلى الفرات.
السوريون والسوريات وغيرهم لا يعرفون ما هى نوى؟ وأين هى؟ بلدة تبعد 73 كم عن مركز العاصمة دمشق. نوى معروفة منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد حيث كان يسكنها الأموريون، أجداد العرب. وذكرتها التوراة أنها أرض باشان التى كان يسكنها الكنعانيون والآراميون. كانت دوما ضمن دولة ــ مدينة دمشق، التى تنافست مع القبائل اليهودية حسب التوراة، وتعود شهرتها كأرض النبى شام بن نوح أبو العرب وأرض النبى أيوب، ذى الصبر الطويل.
***
فى القرن الثامن قبل الميلاد، هيمن الأشوريون على المنطقة، ثم البابليون وبعدهم الإمبراطورية الفارسية. وهذه الأخيرة سمحت لليهود بالعودة إلى فلسطين بعد «السبى البابلى»، حيث سكن بعضهم فى المنطقة.

ثم جاء غزو الإسكندر الأكبر لسوريا عام 332 قبل الميلاد وأصبحت المنطقة مجالا للصراع بين ورثته السلوقيين على سوريا وتركيا وإيران من ناحية، والبطالمة على مصر من ناحية أخرى. صراع لم يتوقف إلا حين تزوجت كليوباترا الأولى، ابنة الإمبراطور السلوقى، والتى دعيت بالسورية، من فرعون مصر البطلمى… فى رفح. حيث حكمت كفرعونة أنثى مصر بعد وفاة زوجها. حينها عمت الثقافة اليونانية وامتزجت مع الثقافات المحلية.
وفى القرن الأول قبل الميلاد جاء الرومان وتعاملوا مع الممالك المحلية، وبينها مملكة العرب اليطوريين (أو مملكة خالقيس) التى اتخذت من عنجر، فى البقاع اللبنانى، عاصمتها وكذلك مملكة الأنباط التى امتدت حتى الحجاز (ومنها آثار البتراء والعلا). ونهضت حوران لتصبح «إهراءات روما»، بفضل إدارة الرى مصدر الحياة والقمح. كما اشتهرت بنبيذها Auranitis وبخرافها ذات الطعم المميز. هكذا كى يصبِح فيليب العربى إمبراطورا على روما فى القرن الثالث الميلادى (بعيد فترة إمبراطورية السيفيروس وجوليا دومنا وأسرتهم الحمصية).
ولد فيليب العربى قرب مدينة بصرى الشام، فى مدينة شهبا التى حولها إلى «مدينة إمبراطورية» سميت باسمه Philippopolis . لقد عبد الطرق حولها بما فيه الطرق الكبرى حتى العقبة، وطور مدن حوران. وضم كبير آلهة العرب فى المنطقة، ذى الشرى (سيد الجبال) Dusares، إلى قائمة الآلهة الرسمية الرومانية. وما زالت نقوش هذه الآلهة حاضرة إلى اليوم فى آثار حوران والبتراء ومدائن صالح. هذا فى حين أوقف فيليب العربى اضطهاد معتنقى الديانة المسيحية الناشئة.
فى القرن الرابع الميلادى، أضحت حوران مجالا لمملكة المناذرة اللخميين الذين اعتنقوا المسيحية السريانية. تبعهم بنو سليح المتحمسون للمذهب البيزنطى، كى يحل مكانهم الغساسنة أو الجفنيين فى القرن الخامس، معتنقى مذهب «الطبيعة الواحدة» ليسوع المسيح، والذين فرضوا أسسًا للـ«حج» لمرقد يوحنا المعمدان فى الرمثانية فى الجولان. وامتدح الشعراء ملوكهم وعاصمتهم «جاببة الملوك»، وبينهم حسان بن ثابت الذى شهد الدعوة الإسلامية، وأصبح شاعر الرسول الكريم (ص).
فى بداية دعوة الرسول (ص)، كسر الفرس الساسانيون بيزنطة وغزوا دمشق والقدس (613-617 م) حتى مصر. لتعود بيزنطة وتطرد الفرس بعد أقل من عشر سنوات، ليأتى الفتح الإسلامى وينتصر على البيزنطيين فى معركة اليرموك وليقضى على الإمبراطورية الساسانية بعد معركة القادسية (وكلتا المعركتين عام 636 م). فى ظل رفض الغساسنة لاضطهاد بيزنطة لهم فى عقيدتهم ورفض المناذرة لاضطهاد مماثل من الساسانيين. فالإسلام كان قد أسس حينها التسامح المذهبى.
***
ترمز نوى إلى هذا الإرث؛ إذ يحيط بالبلدة الحالية تلان: تل الجموع، الذى يعزى أنه المكان الذى حشد فيه خالد بن الوليد الجيوش العربية الإسلامية قبيل معركة اليرموك، وتل الجابية، المكان المفترض لعاصمة الغساسنة، «جابية الملوك»، ومنها تسمية «باب الجابية» فى دمشق الذى يفتتِح «الطريق المستقيم» فى البلدة القديمة.
لا تذكر كتب السيرة والتاريخ عما إذا كان الرسول (ص) قد زار الجابية، ولكنها تشير إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب جعلها مركزا له بعد معركة اليرموك وأقام خطبة بالجيوش. ثم استقبل وفدا من مدينة القدس مع أبى عبيدة بن الجراح، أدى إلى زيارته لها ومنحها الأمان بـ«العهدة العمرية» الشهيرة. ليمحو اضطهاد الفرس لمسيحييها. حينها بنى الخليفة عمر أول مسجد فى القدس فوق صخرة الإسراء والمعراج.
وعندما قدم معاوية بن أبى سفيان ليتولى بلاد الشام اختار الجابية مركزا له، وذلك قبل أن ينتقل إلى دمشق ــ الشام بعد أربع سنوات كى يؤسس الخلافة الأموية. ولكن دور الجابية عاد ليبرز بعد تخلى معاوية الثانى حفيده عن الخلافة، وانقسام القبائل والأمصار على مبايعة خليفة جديد لامبراطورية عربية إسلامية فى عز امتدادها. هكذا تم خلال أربعين يوما عقد مؤتمر فى الجابية لتحكيم الصراع حول الخلافة بين الأمويين لصالح مروان بن الحكم، مؤسس الأسرة المروانية، وكذلك مع عبد الله بن الزبير الذى عاذ (لجأ) إلى مكة المكرمة.
لماذا جرى التحكيم فى الجابية، عاصمة الغساسنة، وليس فى دمشق-الشام، عاصمة الأمويين؟! ولماذا اختفت أخبار الجابية فى التاريخ الإسلامى بعد ثورة أبو مسلم الخراسانى وأبى العباس «السفاح» على الأمويين وإبادة سلالتهم وإقامة الخلافة العباسية؟!
لقد بقيت حوران وعشائرها دوما عصية على الدولة العباسية، وعلى من خلفها... ولم يدخل معظم أهلها الدين الإسلامى إلا فى العصر المملوكى مع بروز مفكرها الإسلامى الشهير يحيى بن شرف النووى (1233-1277م). والذى كتب عنه أبو فحص الوردى:
لقيتِ خيرا يا نوى وحرِستِ من ألم النوى
فلقد نشا بك زاهد فى العلم أخلص ما نوى
وعلى عداه فضله فضل الحبوب على النوى
***
لجأ الدروز إلى جبل حوران بعد معركة عين دارة فى جبال لبنان بين القيسية واليمنية، ليكنى الجبل بهم قبل أن يسمى فى الدولة السورية الناشئة «جبل العرب». وأضحوا جزءا من نسيج مجتمع المنطقة.
لقد قاتل أبناء سهول حوران والجولان ووادى التيم وجبالهم، على اختلاف مذاهبهم، جميع الغزاة. عرب أقحاح منذ القدم وذوو تاريخ يعتزون به... وسيقاتلون كل الغزاة الجدد.

 

سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات