ليست المرة الأولى التى أكتب فيها عن أحكام للقضاء الإدارى يصدرها القاضى الاستثنائى الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى ولا أظنها تكون الأخيرة.
لا أستثنيه وأقصى زملاء له أفاضل يقيمون العدل ويعلون قيمه إنما أستثنيه كما أرى منه من اهتمام بالشأن الصحى وإحقاقا داعما لحق الإنسان المصرى فى الصحة.
اليوم أكتب عن حكم بالغ الأهمية يبدو فيه جليا أن العدل والرحمة وجهان لعملة واحدة، ويؤكد الحق الدستورى لذوى الاحتياجات الخاصة فى مساعدة ضمانية شهرية مستقلة عن معاشات ذويهم وأسرهم ولا يجوز الحجز عليها!
تبدأ القصة التى بطلتها فتاة فى مقتبل العمر تعانى من التخلف العقلى وتعيش فى كنف أسرتها وتتولى أختها الأكبر رعايتها.
كان أن خصصت الدولة لها معاشا شهريا يبلغ ٢١٥ جنيها إلى أن انتبه السيد وكيل وزارة التضامن إلى ذلك الخطأ الجسيم فى حق الدولة فأوقف صرف معاشها فورا وأضاف نفقات إعالتها إلى معاش والدها البالغ ٢٤٠ جنيها شهريا!!.
لم يقصر فى حق الدولة فأصدر قراره بمطالبتها بما سبق وتقاضته ومجموعه أربعة آلاف جنيه على مر سنوات خمس واشترط لاستحقاقها المعاش الضمانى زواجها أو بلوغها سن الخمسين!..
سبحانك يا الله!! ما أخطأ يوما مَن تحدث عمّا بمصر من المضحكات المبكيات.
فعلا هو ضحك كالبكا وسخرية مرة. وكيل وزارة الشئون الاجتماعية يحمى المال العام ويذود عن خزينة الدولة فى مواجهة ضعف شابة تعانى من التخلف العقلى: جسدا غاب عن الإدراك وذهب العقل.
رد القاضى الإنسان حكم الشئون الاجتماعية الجائر واصفا إياه بأنه عدوان على حقوق الإنسان المعاق ذهنيا وفقا للمواثيق الدولية وغمط لحقوقهم الضمانية وبغى على كيانهم الإنسانى. وأبطلت المحكمة مطالبة وكيل الوزارة للفتاة بملغ الأربعة آلاف جنيه وقررت للمرة الأولى أن أموال المعاقين ذهنيا لا يجوز الحجز عليها.
أكد القاضى العادل فى حكمه: علينا أن نصون كرامة ذوى الاحتياجات الخاصة ونحميهم من ألوان المعاملة المهينة أو التعسفية أو الاستغلالية.
أما الدرس الذى يجب أن تنصت إليه السيدة وزيرة الشئون الاجتماعية وأن نستوعبه جيدا فقد جاء فى نهاية حكم القاضى الجليل متوجها إليها مباشرة «وزارة التضامن هى الوزارة التى يجب أن تؤهل من يعتلى أرفع مناصبها بنوازع الخير استجابة لواقع المعاقين ذهنيا استجابة لواقع المعاقين ذهنيا لمواجهة عجزهم لا أن يغمطوا لهم بقرارات جائرة منهيا عنها فى الدستور مثلما كشفت عنه هذه الدعوى.
وهى الفتاة التى وصفتها المحكمة بأنها لا تملك لإعاقتها دفعا أو تصويبا.
فكان أن ردت المحكمة عليها معاشها بل قررت زيادته إلى ٣٢٣ جنيها.
كلما ضاق بى الحال وداهمتنى الأحداث لتلقى، بظل ثقيل على الأيام فى بلادى ــ أحدق النظر بقوة فى النفق المظلم فأرى فى نهايته النور. لا يسقط أبدا وطن مازالت فيه للعدل راية مرفوعة.