تعقيبا على مقالى الذى نشرته الأربعاء الماضى تحت عنوان «سبعبع والذين معه» وتناولت فيه صعود الممثل شريف الدسوقى ومن معه فى مسلسل بـ 100 وش أرسل لى الممثل الكبير أحمد كمال تعليقا كريما لأنى ذكرت اسمه من بين من ذكرت من الفنانين الكبار، وكنت قد كتبت: (انتظر الدسوقى ومعه محمد عبدالعظيم أكثر من ربع قرن حتى جاءت الفرصة فى نجومية كاملة تثأر لهما من سنوات الانتظار الطويل وتضعهما فى مكانة سبقهما إليها ممثلون كبار من أمثال أحمد كمال وسيد رجب وعارفة عبدالرسول)، وكتب لى الفنان الكبير رسالته تحت عنوان: (ليس ثأرا ولكنه اختيار إجبارى) وهذا نصها: (فى أكثر من مناسبة، كتب الأستاذ سيد محمود، عن الممثلين ذوى الأصول المسرحية، والمتواجدين حاليا بخطى ثابتة وحضور صادق حقيقى فى أعمال سينمائية وتلفزيونية، وعبر كثيرا على السوشيال ميديا، عن انحيازه لهم ولهن، فهم (من وجهة نظره) الأكثر عمقا فى عملهم كممثلين أصحاب خبرة طويلة فى فنون الأداء التمثيلى، وأسعدنى كثيرا هذا الانحياز، فأنا من جيل الممثلين المنتمين لفن المسرح بالأساس، وهذا ما أكد عليه فى مقاله الأخير والمنشور بجريدة الشروق، ولكنه ليس ثأرا لجأ إليه هؤلاء بل هو اختيار إجبارى.
ونحن فى سنوات البدايات، اختار جيلى المسرح ليبقى فيه، مستمتعا وراضيا، ولكن ولأن المسرح فى الأساس عمل جماهيرى، فهو يتأثر مباشرة بالظرف السياسى، ومدى الحريات المتاحة، وكذلك يتأثر بدعم الدولة والمجتمع المدنى له، ومنذ بداية عصر السادات وتحديدا منتصف السبعينيات، والمسرح يختنق والتجارب الحقيقية تصبح قليلة، فضاقت بنا الحياة، وهاجرنا إلى السينما، ومع بداية انهيار السينما المصرية، هاجر السينمائيون ومعهم المسرحيون إلى الدراما التلفزيونية، وتميزنا بحكم عمق تجربتنا وهذا ما حدث فى أعمال كثيرة كان آخرها مسلسل بـ ١٠٠ وش، إخراج كاملة أبو ذكرى، إذن هى رحلة طويلة شاقة وممتعة لجيلى من المسرحيين، ويموت المعلم ولا يتعلم).
انتهت الرسالة العميقة فى مضمونها والقصيرة فى نصها لتؤكد ما أشرت إليه حول خيارات بعض ممثلينا الكبار وعلى رأسهم أحمد كمال، فكل من ذكرتهم فى مقالى اختاروا الابتعاد عن استهلاك موهبتهم فى أعمال محدودة القيمة استنادا إلى وعى نقدى بمعنى الفن كأداة للمتعة والتنوير، والإيمان بالقدرة على دفع أثمان هذا الاختيار وهذه معضلة كبرى تؤرق صاحب أى موهبة يرغب فى حمايتها.
ومن يلقى نظرة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى خلال شهر رمضان بإمكانه أن يتعرف على آراء الناس فى أداء الممثلين، أثناء بث الحلقات، فالجمهور اليوم يمتلك أداة فعالة لتقييم أداء الممثل ويتفاعل كأنه فى ساحة مسرح، يمنح التصفيق الفورى ويبدى الاعتراض وقد يهجر مقعده.
إنها «ديمقراطية الوسيط» التى استرد الناس معها هذا الحق من جديد عبر علامات (اللايك والشير) التى باتت معيارا لقياس درجة تفاعل الجماهير مع أى محتوى.
وعلى الرغم من وجود فرق إلكترونية محترفة تعمل لصالح فنانين بالاسم أو مع بعض شركات الإنتاج لتساعد فى حماية نفوذهم الرمزى فى سوق الدراما إلا أن «نبض الناس» له محددات أخرى لا تزال تقع فى دوائر التلقى البرىء التى أنصفت ممثلة شابة وموهوبة مثل دنيا ماهر وجعلتها نجمة «تريند» لعدة أيام وهى ذاتها التى تعوض ممثلة كبيرة مثل سلوى عثمان عن سنوات التجاهل الطويل.
وهذا «النبض» ذاته الذى يوجه التحية واللوم لممثل كبير مثل بيومى فؤاد يملك موهبة كبيرة يستنزفها فى صراع (أكل العيش) لأنه ببساطة غير راغب فى اللجوء إلى (الاختيار الإجبارى) الذى تحدث عنه أحمد كمال.
ففى الفن كما فى جميع أشكال الحياة هناك دائما من يربط أصالة موهبته بمعيار الندرة، ويعاملها معاملة قلم الحبر الأبنوس الذى يملأ بالحبر فيزداد قيمة ولا يرضى أن تكون مثل «قلم رصاص» تأكله «براية» السوق فى الرايحة والجاية».