«اخرس.. اخرس انت.. يا عميل يا متسول.. اخرس يا قليل الأدب..» ليست تلك هى المرة الأولى التى أشير فيها إلى هذا التهريج، وإنما قبل عام بالضبط كنت أرى أن إعلامنا العربى يتقدم إلى الخلف، وأن الخطاب الإعلامى يجب أن يتغير.. كان ذلك قبل طلقات الرصاص التى أطلقها مانويل جوزيه.. إن تلك الكلمات التى بدأت بها عبارة عن مشهد من مشاهد حرية التعبير والحوار الديمقراطى الذى بات فقرة يومية فى الفضائيات وعلى أوراق الصحف من المحيط إلى الخليج.. فإعلامنا عبارة عن خناقة، وجميع الأطراف تجدها دائما مسلحة بوثائق وملفات وأحكام قضائية وأصبحت الساحة مرتعا للمدعين والمجانين والملوثين الذين يرمون الشرفاء بأقذر الاتهامات.. ولا شىء يحدث، ولا قضية تنتهى، ولا حوار يكتمل، ولا حقيقة واحدة تظهر، والنهاية غالبا مثل الأفلام المصرية، مجرد قبلة على الرأس، ثم ينفض المولد وتنفض الخناقة، ويترك الرأى العام متعجبا مندهشا مما جرى ومنتظرا الحقيقة التى كانت وراء اندلاع المعركة!..
الإعلام يحتاج إلى وقفة ومراجعات، ويمكن أن أضرب ألف مثال لوقائع تكشف خطورة منح القلم أو الميكروفون إلى أى شخص بلا رابط وبلا ضابط وهى ليست مشكلة إعلامية فقط، فبعض البشر هم مشكلة كبيرة فى حد ذاتها، مشكلة بسلوكهم وبتصرفاتهم.. والناس التى تقرأ وتتابع وتشاهد، لا يخدعها «الاستذكاء»، ولا يعجبها التهريج.. ومازلت أذكر ما كتبته قبل فترة عندما كان الجو خانقا، والزحام هائلا، والمساحات ضيقة، والحضور منفعلون ويفعلون ذلك بطريقة الضغط على الخصم.. عند الاحتفال بنجاح سمير زاهر وقائمته فى انتخابات اتحاد الكرة.. ففى ساحة مقر الاتحاد بالجبلاية ضاقت الصدور والأنفاس بسبب التدافع والزحام.. وكان المرشحون الفائزون يتحدثون وهم منهكون وغرقى فى عرقهم، وأربطة العنق انتقلت إلى موقع أربطة الكتف، وزادت المبالغة فى حمل سمير زاهر على الأعناق، والهتاف: «بالروح بالدم نفديك يا زاهر..» ومن يسمع هذا الهتاف ولا يراه يظن أن زاهر كان قادما من حرب انتصر فيها أو كان على وشك خوض حرب يمكن أن يستشهد فيها؟!
واكتملت الدراما حين عرض برنامج رياضى مشاهد لرئيس الاتحاد الجديد وهو فوق الأعناق، ويصاحب التقرير أغنية شرين «ماشربتش من نيلها «..»؟! وهى فيما يبدو البديل فى الوقت الراهن لأغنية والله زمان يا سلاحى.. ثم أغنية المصريين أهمه حيوية وعزم وهمه.
ما تلك الثقافة الضحلة الضئيلة وما هذا الاستخفاف والاستهتار والتسطيح.. لماذا كان هذا الربط بين تتويج زاهر رئيسا لاتحاد الكرة وبين مصر؟! الناس تسأل بسبب تلك المشاهد وغيرها: ما هذا النوع من الإعلام الرياضى.. أو هل هذا إعلام أصلا ؟!!