ماذا فعل الرئيس فى شهر؟ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا فعل الرئيس فى شهر؟

نشر فى : الأحد 13 يوليه 2014 - 5:35 ص | آخر تحديث : الأحد 13 يوليه 2014 - 5:35 ص

على عكس سلفه محمد مرسى، لم يضع السيسى برنامجا للمائة يوم الأولى من حكمه، كما لم يعلن عن توقيتات محددة لتنفيذ سياسات بعينها تاركا بورصة من التوقعات والتكهنات والتسريبات هنا وهناك. ولكن وبعد أن فات ما يزيد قليلا على شهر منذ دخوله القصر رسميا، يمكننا رصد عشر ملاحظات رئيسية على تلك الفترة على النحو التالى:

لا عقل سياسيا بعد فى القصر

حسب ما هو معلن لم يعين الرئيس حتى الآن أى مستشار سياسى أو فريق مستشارين فى القصر، ورغم أن أسماء كثيرة كانت قد ترددت عن تولى شخصيات بعينها، الملفات السياسية الداخلية والخارجية، إلا أنه وحتى وقت كتابة هذه السطور لم يعلن رسميا عن أى اسم. قد يقال إن فترة شهر غير كافية لتشكيل الفريق الرئاسي، ولكن لا يبدو أن الأمر على أجندة الرئاسة خلال الفترة القادمة. وهو أمر ننبه لخطورته، لأن دولة مثل مصر لا يمكن أن تدار بالعقول الأمنية فحسب.

الثقة فى العسكريين

كما كان متوقعا، مال الرئيس الجديد إلى مؤسسته ليعتمد على رجالها فى شئون الحكم. اتصالا مع الملاحظة الأولى، فهذا الأمر فى حد ذاته ليس عيبا، لكن الخوف أن يكتفى الرئيس بهذه التعيينات العسكرية فحسب.

خطاب سياسى حازم وعاطفى

لم يقم الرئيس بإجراء حديث منفرد مع أحد المذيعين حتى الآن بعد دخوله القصر، لكنه ظهر حاسما وحازما فى توجيهاته وإعلانه عن رغباته وخططه، كما مال إلى الجانب العاطفى مغازلا مشاعر المصريين الدينية فى أكثر من مناسبة. يلاحظ هنا أيضا أن الرئيس مال إلى استخدام مفردات عسكرية بحتة مثل لفظ «الاستدعاء» أكثر من مرة فى إشارة إلى «انتخابه» من قبل الشعب، كما أنه يبدو غير متحفظ فى الإعلان عن نواياه أو تقديم طلباته صراحة إلى الشعب والمسئولين ورجال الأعمال. كلها أمور تعكس أنه مازال متأثرا بشدة بالثقافة العسكرية، ووجود طاقم سياسى بجانبه قد يكون أمرا ذا أهمية فى الفترة القادمة.

قرارات صادمة

فى خلال شهر واحد من حكمه اتخذ الرئيس قرارا صادما برفع الدعم عن الطاقة، ورغم خطورة القرار المصحوب بجدل كبير حتى بين المتخصصين حول آثاره الاجتماعية والسياسية إلا أنه بدا واثقا فى قراراته وغير عابئ بردود الفعل. ويبدو أن الرئيس فى ذلك يعول على شعبيته، هذه الشعبية قد تخفف من صدمة القرارت للبعض بالفعل ولكن إلى متى وكيف؟.

لا مساس بالقوانين الجدلية

فيما تكهن كثيرون قبل انتخابه أنه سيبادر بتعديل بعض القوانين المخالفة للدستور وعلى رأسها قانون التظاهر والذى تسبب فى حبس واعتقال كثيرين، إلا أن الرئيس أبقى على القانون حتى الآن ولم يمسه رغم مخالفته الدستورية الصارخة، كما لم يسع لتعديل قانون مجلس النواب رغم ما به من عيوب فنية كارثية ستؤثر حتما على شكل البرلمان بل والحياة السياسية بأثرها، ورغم مطالب القوى السياسية وشكواها من تلك القوانين إلا أن الرئيس لم يبد أى اشارة لتغيير هذه القوانين.

إجراءات بناء الثقة.. ليس بعد

على الرغم من إشادته المتكررة بثورة يناير وشبابها رافضا تخوين ثوار يناير، فإن عددا كبيرا منهم تم القبض عليه منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بسبب مواقفهم السياسية وكذلك بسبب قانون التظاهر وغيره، وكان البعض يتوقع أن قرارا سياسيا بالإفراج عن المعتقلين من الشباب سيكون على رأس أولويات الرئيس المنتخب كإجراء لبناء الثقة المفقودة بين قطاع من الشباب والنشطاء وبين نظام ٣٠ يونيو، لكن لم يحدث بعد، فهل يتخذ الرئيس قرارا قريبا فى هذا الاتجاه أم يحافظ على إشادته بالثورة بينما قطاع من شبابها فى السجون؟

فرض القانون بحزم

بدا الرئيس خلال الشهر الفائت من حكمه عازما على فرض القانون، وظهرت بعض الحملات الأمنية والمرورية لضبط الشارع المصرى وانقاذه من فوضته العارمة، ورغم أن ذلك بكل تأكيد إجراء مطلوب ومحمود إلا أن هناك ملحوظتين يمكن ذكرهما بهذا الصدد، الأولى أن هذه الحملات بدت وكأنها من قبيل «شد الغربال» بحيث أنها تواصلت لعدة أيام ثم توقفت، مما أعاد بعض الفوضى مرة أخرى إلى الشارع، والثانية أن القانون بدا وكأنه بصدد التطبيق على الفئات الأقل حظا فى المجتمع، مثل الباعة الجائلين، ولاشك أن استمرار حملات فرض القانون على الجميع بلا تمييز باعتبارها فعلا اعتياديا وليس مجرد «شد للغربال» هو أمر من شأنه تعزيز مفهوم دولة القانون والعكس صحيح.

النيات وحدها لا تكفى

أقدم الرئيس خلال هذا الشهر على أكثر من فعل رمزي، مثل زيارته للسيدة التى تعرضت للتحرش فى التحرير، وركوبه الدراجة فى ماراثون صباحي، وظهوره فى أحد البنوك متبرعا لحساب «دعم مصر»، وعلى الرغم من الدلالات الإيجابية لمثل هذه الأفعال الرمزية، إلا أنها تبقى مجرد تصرفات تعكس حسن النية لكنها لا تضمن أبدا التنفيذ على أرض الواقع، فلا حارات مخصصة للدراجات فى مصر، وما زال التحرش يحتاج إلى تطبيق أكثر حزما للقانون، أو ربما إلى قانون جديد أكثر شدة، أما التبرعات فحدث ولا حرج، فلا يمكن لاقتصاد دولة أن يقوم على التبرع هذا أولا، وثانيا تساءل كثيرون ومنهم كاتب هذه السطور، ألم تفتح حسابات للتبرع سابقا؟ ماذا كانت النتيجة؟ الإجابة لا شيء، لأن الموضوع يتحول إلى مجرد «شو» إعلامي، وتنتفى معه أى آثار اقتصادية أو مجتمعية إيجابية طالما أنه لم يتحول إلى سياسة اقتصادية.

السياسة الخارجية: الاتجاه جنوبا

ولعل من أبرز عناويين هذا الشهر فى حكم الرئيس هو زيارته الهامة لغينيا الاستوائية لحضور القمة الأفريقية وقبلها بزيارة سريعة للجزائر وما واكبه ذلك من إنهاء تجميد عضوية مصر فى الاتحاد الأفريقى فى مكسب للنظام السياسى الحالي، خاصة وأنه جاء مع إعلان مبادئ بين مصر وإثيوبيا على خلفية أزمة سد النهضة، أعاد ولو جزئيا الأمل فى السيطرة على التهديد المائى الجنوبى لأمننا القومى.

الحريات محلك سر

رغم أن قدرا من الحرية مازال موجودا، والدليل هو أن مثل هذه السطور مازالت تجد سبيلا للنشر، إلا أن مساحات التعبير تضاءلت بشدة فى الفترة من ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وحتى الآن فى ظل آلة إعلامية تقوم بتصفية الحسابات السياسية بالنيابة عن النظام، وفى ظل قوانين وممارسات مقيدة لحرية الرأى والتعبير والحريات الأكاديمية، وفى ظل حوادث عنف سياسى لا يبدو أنها ستنتهى قريبا، ومازال مناخ الخوف هو عنوان البيئة السياسية فى مصر.

•••

قطعا يظل مجرد شهر، لكن الأحداث فيه كانت متسارعة، وكما يمكن أن نلاحظ، رغم بعض الإيجابيات وخصوصا فى ملف السياسة الخارجية، إلا أن ملفات كثيرة داخلية مازالت معلقة ولا ندرى هل التعليق من باب التروى قبل اتخاذ القرار أم أنه حسم للأمور بالسكوت عنها؟ نتمنى الأولى ونخشى من الثانية.

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر