أين حدود إسرائيل وتركيا وإيران؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أين حدود إسرائيل وتركيا وإيران؟

نشر فى : الإثنين 13 يوليه 2020 - 8:00 م | آخر تحديث : الإثنين 13 يوليه 2020 - 8:00 م

نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب غسان شربل... جاء فيه ما يلى.

قال السياسى العراقى إنَّ سنواتٍ صعبة تنتظر بلاده التى لا تريد أنْ تكون أكثر من دولة طبيعية تحفظ سيادتها وحدودها وتتفرغ للتنمية ومستقبل شعبها. لكنَّه لاحظ أنَّ عملية استعادة العراق تبدو شائكة ومفخخة. لا الأمم المتحدة توفر مظلة واقية، ولا الولايات المتحدة مستعدة لإعطاء الملف العراقى الأولوية.
لاحظ السياسى المجرّب أنَّ قوى إقليمية أطلقتِ العنان لشهواتها فى المصالح والأدوار مستفيدة من انحسار هيبة القوى الكبرى والقانون الدولى. قال إن القوى التى تتحدى حاليا حكومة مصطفى الكاظمى ما كانت لتفعل ذلك لولا الدعم الإيرانى، الذى «أنشأ مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة العراقية». لفت أيضا إلى أنَّ تركيا تعطى لنفسها حق التدخل فى الأراضى العراقية ومن دون أى مراعاة لشكاوى بغداد.
تعيش المنطقة بلا شرطى. وفى غياب الهيبة أو الخوف تستيقظ الرغبات التى كانت مكبوتة خوفا من الشرعية الدولية أو من غضب الكبار. ها هو رجب طيب إردوغان يدفع الهجوم التركى إلى العمق الليبى، الأمر الذى ألزم السلطات المصرية الخروج عن تحفظها التقليدى والتذكير بأنَّها تمتلك جيشا قادرا على الدفاع عن استقرارها ومصالحها ومنع أى محاولة لتطويقها.
من يقرأ التقارير التى ينشرها بعض وسائل الإعلام التركية عن «الثروات المعدنية الهائلة» التى تختزنها ليبيا، علاوة على النفط والغاز، يتذكر مراحل سابقة فى العلاقات الدولية كانت تسمح بهذا النوع من الممارسات. دفع إردوغان سياسة سوء التفاهم التى ينتهجها حيال العالم بأسره إلى أقصاها. واضح أنَّه اختار لغة التدخل العسكرى لحجز دور لبلاده، ليس فى مستقبل العقود الليبية فقط، بل أيضا فى التنقيب فى شرق المتوسط. فعل ذلك بسبب عجز المنظمة الدولية عن إطفاء الحرائق قبل استفحالها وبسبب تخلى أمريكا عن لعب دور الشرطى صاحب القرار الحاسم فى مصير النزاعات الإقليمية.
الإدارة الدولية غائبة فى منطقة الشرق الأوسط. واضح أنَّ أمريكا لم تعد مستعدة للعب دور الشرطى الدولى. وثمة من يعتقد أنَّها لم تعد قادرة حتى لو أرادت. دور الشرطى مكلف ومحفوف بالأخطار. مكلف ماليا ويرتب أحيانا تدخلات عسكرية مكلفة بشريا. لا تجد أمريكا الحالية نفسها ملزمة بإرسال الجيش لاقتلاع زعيم تعدّه طاغية وبغرض ضمان الإفراج عن شعبه. مهمة زرع الديمقراطية بجراحات التدخل العسكرى لم تعد واردة أو مطروحة على جدول الأعمال. لم تعد أمريكا مهتمة أيضا بصورة القوة العظمى القادرة على إثبات كفاءتها فى تأديب الخارجين على القانون الدولى، أو الذين يهددون استقرار جيرانهم. ثم إنَّ الدول الكبرى لم تكن يوما جمعياتٍ خيرية تحرّكها تلك الدوافع النبيلة التى تتكرر فى البيانات.
لا يتعلق الأمر فقط بالخيبة التى خلّفها التدخل العسكرى الأمريكى فى العراق، بل يتعداها إلى انشغال الولايات المتحدة بمناطق أخرى. واضح أنَّ أمريكا معنيّة بالهدير الصينى أكثر مما هى معنيّة بتصدعات الشرق الأوسط واهتزاز بعض خرائطه. هذا لا يعنى أنَّ واشنطن استقالت من شئون الإقليم ولم تعد لها مصالح فيه. خير دليل على ما نقول العقوبات التى عاودت أمريكا فرضها على إيران فى عهد دونالد ترمب بعد انسحابها من الاتفاق النووى مع طهران. ويرى بعض الخبراء أنَّ سياسة الضغط الأقصى هذه ألحقت أضرارا كبيرة باقتصاد إيران وقدرتها على دعم حلفائها فى المنطقة. وتترافق سياسة الضغط هذه مع محاولات لعرقلة البرنامج النووى الإيرانى اتخذت شكل «ضربات غامضة» على الأرض الإيرانية نفسها فى وقت تستمر فيه الحرب الإسرائيلية على «البنية العسكرية» الإيرانية فى سوريا.
ورغم الانشغال الأمريكى بموضوع السلوك الإيرانى فى التخصيب أو زعزعة الاستقرار فى المنطقة، فإنَّنا لا يمكننا الحديث عن إدارة أمريكية تفصيلية لملفات المنطقة وعلى قاعدة الاضطلاع بدور الشرطى فى الثواب والعقاب. فى موازاة ذلك، لا تستطيع روسيا التطلع إلى لعب دور من هذا النوع وبهذا الحجم. قدرات روسيا الاقتصادية لا تسمح لها بتغطية دور بمثل هذه التكاليف. لا شك أنَّ موسكو ساهرة على توظيف أى خطأ أو تقاعس أمريكى. ومهتمة أيضا ببيع الأسلحة واستقطاب الحلفاء أو الأصدقاء لكنَّها ليست قادرة على بلورة حلول للملفات الشائكة، لأنَّها لا تملك تكاليف الاضطلاع بأدوار بهذا الحجم. خير مثال على ذلك أنَّ روسيا التى تمكنت من إنقاذ النظام السورى وترجيح كفة قواته على الأرض، لا تملك القدرة على إطلاق ملف إعادة الإعمار فى سوريا. وخير دليل على حدود الأدوار فى هذه الأزمات الاتفاق العسكرى الأخير بين إيران وسوريا، والذى يشير فى جانب منه إلى تصاعد الأدوار الإقليمية فى غياب الإدارة الدولية لأوضاع الإقليم. ولتكتمل الصورة، يمكن القول إنَّ أوروبا تزداد ضعفا وانسحابا، فى حين تقارب الصين موضوع موقعها على الساحة الدولية بأسلوب متحفظ حتى الآن.
يرى السياسى العراقى أنَّ المشكلة فى الشرق الأوسط تكمن فى غياب الردع الدولى، ما يؤدى إلى إطلاق شهيات دول ثلاث ترفض الجلوس داخل خرائطها بذرائع مختلفة مستفيدةً من ضعف الشرعية الدولية وغياب الشرطى الأمريكى: إسرائيل التى تستعد لضم مزيد من الأراضى. وتركيا التى تنشر قوات تابعة لها فى سوريا والعراق وتملك قواعد عسكرية فى قطر والصومال، وتتدخل عسكريا فى ليبيا وتهدد أوروبا باللاجئين أو تسرّب الإرهابيين. وإيران التى كادت تحوِّل اختراق الخرائط ممارسةً شائعةً، والأمر نفسه بالنسبة إلى إدارة العواصم عبر الفصائل. ورأى أنَّ «المنطقة لن تشعر بالاستقرار قبل أنْ يتمكن أهلها من معرفة الرد على سؤال بديهى هو: أين حدود إسرائيل وتركيا وإيران؟».

التعليقات