نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب عبدالحسين شعبان تحدث فيه عن التضامن المجتمعى اللبنانى والتضامن الإنسانى العالمى مع اللبنانيين الذى ظهر مع محنة بيروت... نعرض منه ما يلى.
الانفجار المرعب الذى دمر مرفأ بيروت 4 أغسطس الجارى، والذى راح ضحيته أكثر من 150 قتيلا، وأكثر من 5 آلاف جريح، ولا يزال العشرات والمئات تحت الأنقاض، أو فى عداد المفقودين، كان كارثة حقيقية، تضاف إلى معاناة اللبنانيين منذ سنوات التى شملت جميع مناحى الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وغيرها، ابتداء من أزمة النفايات، ومرورا بأزمة الدولار، وانهيار سعر الليرة اللبنانية، والتى توجت بأزمة المصارف، وأزمة البنزين والمازوت، إضافة إلى أزمة الكهرباء المعتقة التى تبدو بلا أفق منذ ثلاثة عقود ونيف من الزمان، وأزمة الماء الصالح للشرب، مرورا بجائحة «كورونا»، وصولا إلى الانفجار الرهيب الذى ألحق خسائر فادحة فى الأرواح والممتلكات العامة، والخاصة، والتى تقدر بنحو 15 مليار دولار فى بلد يعانى شح الموارد، وبطالة، وفرص عمل قليلة، خصوصا إغلاق محال تجارية وخدمية وسياحية، والاستغناء عن خدمات أكثر من 400 ألف عامل، يضاف إليهم أن 300 ألف إنسان أصبحوا بلا مأوى بعد الانفجار.
أقول بغض النظر عن كل هذه المشاهد المأساوية، وفساد الطبقة السياسية، وصراعاتها المبدئية وغير المبدئية، واستقواء بعضها على الآخر بالسلاح، أو بالخارج، مع تهديدات واختراقات العدو «الإسرائيلى» المتكررة، والمستمرة، فإن هناك وجها آخر للبنان عرفناه خلال هذه المحنة، ومن ملامحه أنه يحظى باهتمام عالمى قل نظيره من فرقاء مختلفين على كل شىء، إلا على أن يكون لهم نفوذ فى لبنان ومصالح متضاربة، أو متوافقة أحيانا مع الفرقاء الدوليين، والإقليميين، وبالطبع مع القوى اللبنانية المتصارعة والمؤتلفة ــ المختلفة فى إطار حكم يقوم على الطائفية السياسية والزبائنية للحصول على المغانم والمكاسب والمواقع، تلك التى قام عليها دستور لبنان، وتكرست بفعل الأمر الواقع على نحو أشد فى اتفاق الطائف عام 1990 بعد حرب أهلية دامت أكثر من 15 عاما.
المظهر الإيجابى فى لبنان ــ الوجه الآخر، هو التضامن المجتمعى الذى شهده خلال الكارثة الأخيرة والذى تم التعبير عنه بوسائل مختلفة، سواء من المجتمع المدنى، أو المجتمع الأهلى، أو المؤسسات الثقافية والإعلامية والأكاديمية والدينية، وهو ما خفف إلى حد ما من آثار المأساة التى وصفت بأنها أقرب إلى هيروشيما لضخامة الانفجار، واتساع أضراره المادية والبشرية، وشموله لأحياء بيروتية كاملة دمرت بشكل تام، أو شبه تام، أو تعطلت إمكانية الحياة فيها والتى قد تحتاج إلى وقت طويل لمعالجتها.
وأظهر اللبنانيون مثل هذا التعاضد والتساند ونكران الذات على نحو رائع، والتكافل الاجتماعى خارج الطائفية السياسية السائدة، فنزلوا نساء ورجالا، شبابا وشيوخا، إلى الشوارع والساحات العامة كل حسب قدرته، ليجلوا آثار المأساة الكارثية، وليساعدوا الجهات والهيئات المختصة الطبية والإنقاذية والفرق الخاصة بإطفاء الحرائق وانتشال الضحايا وإسعاف من هم على قيد الحياة، حتى أن المستشفيات امتلأت بأعداد كبيرة من الجرحى، وبعضهم فى حال خطرة، فى حين أنها بالأساس كانت تعانى نقصا فى الخدمات الصحية، وهو ما تم التعبير عنه خلال أزمة «كورونا» منذ فبراير الماضى، والتى لا تزال مستمرة إلى الآن.
وأثبتت الأحداث حيوية وطاقة وتضامن اللبنانيين لدرجة أعجبت العالم، الذى هو الآخر سارع للتضامن معهم فى هذه الكارثة الإنسانية، بإرسال فرق طبية وخدمية ومساعدات، إضافة إلى طواقم فنية لإجلاء آثار الكارثة والتى قد تحتاج إلى فترة غير قصيرة لإعادة الإعمار، والأمر يحتاج إلى دعم ومساعدة دولية، سواء من الهيئات والمنظمات الدولية، مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، أو من دول يرتبط لبنان معها بعلاقات تاريخية، فضلا عن المجتمع الدولى والأمم المتحدة التى لا بد أن تضطلع بمسئولياتها إزاء لبنان بمساعدته فى اجتياز هذه المحنة، ولا شك فى أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوحدة الوطنية، والشروع فى إصلاحات حقيقية، ومحاربة الفساد، وإعلاء مرجعية الدولة ووحدة قرارها، بما يصب فى مصلحة جميع اللبنانيين، ويعزز علاقتهم مع أشقائهم العرب ومع مختلف دول العالم على أساس سيادتهم وتعزيز صمودهم للدفاع عن حقهم العادل والمشروع فى اختيار نظامهم الاجتماعى، وفى دعم النضال الفلسطينى.
ولعل جميع تلك الأحداث، أو المطالب كانت شعارات عامة لانتفاضة 17 أكتوبر 2019 التى لا تزال مستمرة، وعلى أساسها تشكلت الحكومة الحالية (المستقيلة)، وإذا لم تتمكن من تحقيق ذلك، فإن رحيلها يصبح تحصيل حاصل، وهو ما بدأ الحديث عنه بصوت عال بعد الانفجارات الأخيرة.