صحة الطفل النفسية.. رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا - ليلى إبراهيم شلبي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 2:10 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صحة الطفل النفسية.. رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا

نشر فى : الجمعة 13 أغسطس 2021 - 9:25 م | آخر تحديث : الجمعة 13 أغسطس 2021 - 9:25 م
أبى الذى أكره.. تأملات حول التعافى من إساءات الأبوين وصدمات النشأة، صدمنى العنوان فتوقفت برهة لأعيد قراءة العنوان وأتحقق من المعنى. التقطت «الطبعة السابعة» من كتاب د. عماد رشاد عثمان: الاسم الذى لم ألحظة من قبل فى قراءاتى فوجدته شابا حديث السن والتخرج من كلية الطب جامعة الاسكندرية، ملتحقا بدراسة ماجستير أمراض المخ والأعصاب والطب النفسى.
من الطبيعى أن يتردد من كانت القراءة أقرب هواياته إلى نفسه فى اقتناء كتاب جديد ليس لديه سابق معرفة بمؤلفه لكنى أعتقد أننى تناسيت ذلك وقتها، والآن أقر أننى ما ندمت على الإطلاق بل أدعو كل من تصله كلماتى اليوم أن يقرأ هذا الكتاب خاصة أن كلماتى لن تتعدى الاشارة لأهمية الكتاب، فالمساحة لا تتسع لاستعراض فصوله، «صدمات النشأة» تعبير موجز عن كل ما يمكن أن يطال ذاكرة الإنسان من ندوب إثر تعرضه على مدى أيام طفولته إلى جروح صغيرة وربما أخرى بالغة العمق أحدثها الآباء والامهات ربما عمدا وربما عن دون وعى أو جهل بدروب النفس ومسالكها، فظلت فى ظاهرها ندوبا لتلك الإساءات القديمة يداريها الإنسان الذى كان طفلا يوما ما ويحاول الآن أن يتظاهر بالقوة بينما تلك الجروح التى لم تلتئم مازالت تنزف تسرى كشرخ فى جدار الروح يشبع الاحساس بالغربة والشك فى الذات والخوف من الاقدام والمحاولة.
موضوع الكتاب بالفعل شائك لكنه ما دون شك مهم ومؤثر فى حياة الجميع، الآباء والأمهات والأبناء فهو يرصد ويشير إلى حقائق فى التربية قد يغفل عنها أى انسان سليم الفطرة قد يلجأ إلى أسلوبه الخاص فى تربية ابنائه وتعليمهم دونما الرجوع إلى خبرات علمية تستند إلى معرفة حقيقية لأبعاد النفس البشرية وما يؤثر فيها أو تتأثر به من أفعال وما ينتج عن ذلك من ردود أفعال تلازم الطفل فى تطوره ومراحل نضوجه ليظهر هذا جليا فى سلوكه وتصرفاته فى مجتمعه، ويبدو واضحا مؤثرا فى علاقاته بالعالم من حوله.
يضم الكتاب بين دفتيه نماذج عديدة وصورا مختلفة لتلك الجروح التى منها الصغير غير الموجع إلى حد الألم القاسى، لكن منها أيضا تلك الجروح العميقة الموجعة التى تلازم الطفل كظله وتحتاج أعظم الجهد لعلاجها أو التخلص من آثارها القاتمة كالمعاملة القاسية التى تصل إلى العقاب البدنى لأتفه الأسباب أو المعاملات الشاذة كالتحرش بالأطفال وما إلى ذلك من ملابسات تظل عالقة بالنفس تحتاج إلى علاجات طويلة الأمد.
اخترت من تلك الأمثلة العديدة مثلا قد يكون الصورة الأكثر شيوعا فى مجتمعنا والتى قد لا ننتبه لآثارها البعيدة التى تبدو عند تحسسها ندبة اساءة قديمة تلك التى نواريها ولم تزل تؤثر على سلوكنا كتعبير المؤلف.
التناقض الشعورى: أو تلك الحالة من الانقسام الداخلى التى يعبر عنها الكاتب بأنها عندما يحمل الإنسان شعورين متناقضين تجاه نفس الشىء أو نفس الشخص بمعنى أن يحب ويكره فى نفس الوقت أو أن يشعر بالغضب والامتنان فى آن واحد، تلك الحالة من الانقسام الداخلى هى سن أساسية لكل من تعرض للإساءة يساهم فى صناعتها: التناقض بين الفعل والقول، فالأب يتحدث دائما عن الحب وقيم العائلة والمشاركة بينما ينتهك حق ابنه العاطفى ولا ينصت إلى ما يود أن يقول بالفعل، أيضا الحب الفطرى الذى يكنه الابن لأبيه وأمه كثيرا ما يهتز فى مقابل الاساءة التى قد يلجأ إليها الآباء كالعقاب المستمر بالحرمان من أشياء يحبها الأطفال أو التهديد، والصوت المرتفع دائما وإلقاء الأوامر فيبدأ الشعور بالغضب والألم والقلق الذى لا يستطيع الطفل التعبير عنه بحرية لما قد ينتظره من عقاب جديد، هنا يختلط الشعور بالأمان المفترض والمتوقع فى قربهما بمشاعر التهديد المصاحبة للإساءة، فيحدث الانقسام الداخلى تدريجيا تتشكل القوتان «القوة المحبة» مقابل «القوة الكارهة» طاقة مشاعر تدفعه للقرب وطاقة مشاعر تدفعه للهرب، هذا الصراع الداخلى قد يتحول إلى اضطراب أعمق تظهر صوره فى سلوكيات تبدو غريبة لكنها نابعة من تأرجح النفس بين تلك القوتين الأمر الذى ينسحب على شعور الطفل الذى ينضج بمرور الأيام فيرى كل ما حوله على تلك الصورة المهزوزة التى تعبر عن بندول يتحرك طرفا قطبيه أحدهما سالب والآخر موجب.
تمنيت لو اتسعت المساحة للحديث بصورة أكبر عن محتوى هذا الكتاب الذى ارشحه للقراءة بقوة لكل من لديه اهتمام حقيقى بتربية أطفال وتنشئة جيل. كل من لديه شغف لسبر أغوار النفس البشرية ومعرفة حقائق علمية فى أسلوب سلس بديع عن تلك النفوس الغضة التى سواها سبحانه علّنا ندرك كيف نتعامل معها برفق وحب وفهم ودراية حتى نصل بها إلى بر الأمان النفسى. وتلك والله رسالة عظيمة تليق بابن يدعو ربه بصدق ويبتهل: «رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا».
التعليقات