لم تكن استقالة حكومة الدكتور حازم الببلاوى نهاية فبراير عام 2014، إلا إعلانا عن نهاية مرحلة الشراكة بين مؤسسة الرئاسة والحكومة، والعودة إلى عهد حكومة الموظفين والسكرتارية و«تمام يا فندم.. أحلام سيادتك أوامر».
عدد كبير من وزراء حكومة الببلاوى كانوا سياسيين ومعارضين سابقين لنظام حكم مبارك، شاركوا فى ثورة 25 يناير، وشاركوا فى جبهة الإنقاذ المعارضة عقب وصول الإخوان للحكم بعد الثورة.. كانت مواقفهم من بعض القضايا وعلى رأسها الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة والشفافية ومحاربة الفساد تسبب إزعاجا لبعض الدوائر، لذا تمت «إقالتها بقسوة وبشكل مهين»، بحسب ما كشف أحد وزرائها، وتم استبدالها بحكومة المهندس إبراهيم محلب وزير الإسكان فى نفس الحكومة.
محلب بحسب سيرته الذاتية كان مؤهلا للعب دور «كبير الموظفين» أو «السكرتير الأول»، فالرجل ترأس لسنوات طويلة شركة المقاولون العرب إبان حكم المخلوع حسنى مبارك، وتم اختياره عضوا بالمجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطنى المنحل، وعينه مبارك عضوا بمجلس الشورى، وليس له مواقف سياسية معلنة.
تم تكليف محلب بمهام الرجل الثانى فى الدولة مرتين، الأولى فى عهد الرئيس المؤقت عدلى منصور، والثانية كلفه الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسى، وفى المرتين اختار محلب أعضاء حكومته بالشكل الذى يتناسب مع متطلبات المرحلة الجديدة، «موظفون سابقون، ورجال أعمال، وأكاديميون»، لا يملك أى منهم طموحا، أو رؤية أو حتى مشروعا للإصلاح ومحاربة الفساد، ولم تكن العلاقة بنظام مبارك الفاسد أحد مبررات استبعاد أى مرشح للوزارة، «فرب البيت بالدف ضارب».
اعتمد الرجل الذى أعطى له الدستور الجديد صلاحيات واسعة وجعله شريكا لرئيس الجمهورية فى الحكم استراتيجية جديدة لعمل رئيس الوزراء، ووضع لها عنوان «الجرى فى المكان».. ومنذ تكليفه الثانى وهو لا يكف عن الحركة، لكنها الحركة غير المنجزة التى لم تقنع أحدا، حتى إن من كلفه تندر عليه أمام جمع من الشخصيات العامة خلال حفل افتتاح عدد من المشروعات التنموية فى يونيو الماضى، وقال له «وعدتنى أن تكون بلدوزر يفتح الطريق.. هو فين البلدوزر ده؟».
بعض الأطفال يصابون بمتلازمة أطلق عليها العلماء «فرط الحركة وتشتيت الانتباه»، من اعراضها زيادة النشاط الحركى والاندفاع، وقلة التركيز وعدم القدرة على أداء الأعمال والقلق والفشل فى التخطيط للمستقبل.. البعض يلتفت لهذا الاضطراب ويعالجه والبعض الآخر يتجاهله فيكبر ويتولى مسئولية ويصاحبه هذا الاضطراب بأعراضه فيصبح عبئا على من حوله وعلى نفسه.
تشتت انبتاه محلب ولم يركز فى ملفات وزرائه، ولم يلتفت للشبهات التى لاحقتهم بعد لقاءاتهم المصورة المنشورة مع «اللومنجى السابق» محمد فودة فى دائرته الانتخابية، حتى فاجأته الأجهزة الرقابية بقضية الفساد الكبرى فى وزارة الزراعة وأحالت ملف القضية للنيابة العامة فسقط وزير الزراعة.
غياب البرلمان أحد الأسباب الأساسية التى تؤدى إلى فساد السلطة التنفيذية، فالأدوات الرقابية التى يمارسها النواب تحاصر المسئولين وتجعلهم يعيدون التفكير مائة مرة قبل أن تمتد أيديهم لمصافحة الفسدة.. وتأسيس برلمان لتجمع أصحاب المصالح يقنن الفساد وينهى أى مشروع لملاحقته.
بعد واقعة «البلدوزر» وضع محلب استقالته تحت تصرف رئيس الجمهورية، بحسب ما كشفه لى مصدر مطلع.. السيسى لم يبت فى الاستقالة واعطى رئيس وزرائه فرصة حتى اتمام الانتخابات البرلمانية، لكنه عاد وقبلها امس ليلملم فضيحة وزارة الزراعة، ويضع حدا للشبهات التى لاحقت أصدقاء رد السجون «فودة» من اعضاء الحكومة. تأخر السيسى فى اقالة حكومة «الجرى فى المكان»، لكن ان تأتى متأخرا خير من ألا تأتى ابدا. فرصة تشكيل حكومة سياسية لها رؤية ومشروع وقادرة على مشاركة الرئيس مسئولية السلطة التنفيذية قائمة، ودرس «متلازمة محلب» يفرض على صاحب القرار اعادة النظر فى تعاطيه مع السياسة واهلها.
محمد سعد عبدالحفيظ
saadlib75@gmail.com