‎قامُوس المُتفائِلين - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 12:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

‎قامُوس المُتفائِلين

نشر فى : الجمعة 13 سبتمبر 2024 - 8:20 م | آخر تحديث : الجمعة 13 سبتمبر 2024 - 8:20 م

‎لم يكُن شريطُ الأخبار الذى امتلأ بمَجموعةٍ من الإنجازاتِ، والذى بدا فى ظاهرِه مصدرًا عامرًا بالتفاؤل؛ سوى مَبعَث نقاشٍ مُطوَّل بين الجَالسين.

 •• •

‎تقول قواميسُ اللغة العربيَّة أن المُتفائِل هو الشَّخص الذى يتوقَّع طيبّ الأمور لا سيئها وخيرَها لا شرَّها. هو فى العادة مُنبَسِط السَّريرة، مُتفتّح المَدارِك، راضٍ بما يُقسَم له، يتعاملُ مع الأمور فى سَلاسة ويُسر. المَفعول مُتفاءَلٌ به والمَصدر هو التفاؤل، أما الفأل ففِعلٌ أو قَول يُستبشَر به، وإذا قيل «خذوا فالكم من عيالكم»؛ فالقصد منه أن الصغار الذين لم تفسد بعد طويتهم، يمكنهم أن يستشعروا ما خفى على الكبار الذين تمرسوا على الألاعيب والمناوشات.

• • •

‎المُتفائل مُستبشِر والاستبشار يعكس كما جرت العادة التطلُّع لكل ما هو إيجابيّ الطابع، وترك السلبيّ، إذا بان الواحد فى حال من التوجُّس والقلق لوجد من يَنصحه بالقولةِ المَأثورة: "تفاءلوا بالخير تجدوه»، والمعنى أن المرءَ ما حَسُن ظنُّه واعتدل لقىَ ما يُحب، والعكس فى غالب الأحوال صحيح، فإن كره أمرًا وجعل يتحسَّب منه؛ وقع فيه.

• • •

‎غنَّى الشيخ إمام منذ عقودٍ وَلت: «يا فلسطينية فيتنام عليكو البشارة .. والنصرَة طالعة من تحت ميت ألف غارة»، وفى الكلمات التى كتبها أحمد فؤاد نجم حَفزٌ وحَثٌّ وشَدٌّ من الأزر؛ فالتفاؤل بالانتصار واجبٌ مهمًا طال الوَقتُ، والإيمان بالقُّدرةِ على انتزاعِ الحَقّ يؤدى ولا شكّ لتحقيق الهدف، وإن كان من فوارق فى حجم الأسلحة والعتاد؛ فالغلبة أبدًا لأصحاب الجَلَد والعَزْم.

• • •

‎إذا تحقَّق أمرٌ مَرغوبٌ بالتزامُن مع حُضور أشخاصٍ بعينهم قيل: «الخير على قدوم الوافدين»، والعبارة فيها وفرةٌ من المَديح؛ فالضُّيوف الذين يَقع فى وجودهم أمرٌ مُستطاب؛ يغدون محلَّ ترحيب دائم ودعوة مَفتوحة للزيارة، أما إن حدثَ العَكس؛ فربما تهرَّب المُضِيف من لقاء ثانٍ، تشاؤمًا من وُجودِهم وخوفًا من العواقب المُحتمَلة؛ بل وكانت قولة: «يا قاعدين يكفيكم شرَّ الجايين» بمنزلة الاختيار المُناسب.

• • •

‎يرى المتفاءل فى كلّ مُصاب يضرُّ بمُمتلكاته أو أمواله؛ افتداءً لذاته وحمايةً من سُوء أوشَك أن ينالَ من صِحَّته وسَلامته. إنه الشخص الذى يجد فى كل نازلة عتية فائدة لا يمكن إنكارها، ويجعل من تفاصيل يومه البسيطة التافهة مصادر بهجة متجددة؛ يرى فى سكب القهوة خيرًا، وفى سقوط فضلات الطير على ملابسه بابَ رزق مُرتَقب، أما صاحب المزاج القاتم فيستقبل معظم الأحداث التى تصادفه مؤمنًا بأنها حظٌ تعسٌ مُتعثر، ولا يفتأ يستعين على إثباتِ نظرته المُتشائمة بالمَوروثِ الشَّعبىّ المُوازِى؛ حتى ليفضلَ قولة: «سكبوا القهوة من عماهم وقالوا الخير جاهم» على ما يناقضها، وما مِن جدال أن انتقاءَ الكلمات وتوظيفها فى الإطار المَرغوب؛ يرتبط بصفاتِ كلّ امرئٍ وما انطوت عليه نفسُه من خِصال.

• • •

‎تمثل البومةُ رمزَ تفاؤل فى كثير الثقافات الغربية، ورمز شُؤم ونَحس فى بعضِ الثقافات الشرقيَّة، كذلك يتسبَّب الغرابُ ونعيقه فى أحاسيس مُتناقِضَة لدى غالب الناس، والقطُّ الأسود بدوره يُخيف أشخاصًا عديدين؛ بينما يحبُّه آخرون ويشفقون عليه من أذى الخائفين. التطيُّر فعلٌ مَقيت، لا ذنب لطيرٍ أو حيوانٍ أو إنسان فى اعتقادات الآخرين بشأنه، ولا فى حلاوة أو قبح صورته وصَوته؛ والحقُّ أن عزوَ المساوئ لغير أسبابها الحقيقية حرىٌّ بإفقاد المرء نعمة الإدراك والتمييز.

• • •

‎المُتفائِل أقل قلقًا وتوجُّسًا ممَن يقفُ على الجانب الآخر؛ فحساباته تمضى أغلب الأوقات نحو الأفضل، فإن ضاقت به الاختيارات ولم يكُن من مَفر؛ احتسب الأقلَّ سوءًا وتمنَّى فى الوقت ذاته أن يخيبَ الظَّن.

 

• • •

‎فى كتابات البرازيلى باولو كويللو ما يبعث على التفاؤل دومًا، فالإنسان ما آمن بما يريد وبات واثقًا من تحققه، تضافر الكون معه وسانده واجتمعت له الأسباب، أما إن استسلم للعراقيل ومال إلى ندب حظه الفقير وعزا إخفاقه لسوء الطالع وتكالب المِحَن، وقصرت إرادته عما يصبو إليه؛ بقى محلَّه وما نال من رغباته شيئًا.

• • •

‎كثيرًا ما يذكر التفاؤل مصحوبًا بالحذر، فالاحتمالات كلها جائزة، والحكيم لا يرغب فى الاحتفال قبل الأوان، فقد تتحوَّل مظاهر الصخْب والاحتفاء ما خاب التوقع وطاشت الأمنيات؛ إلى مصدر إحباط.

• • •

‎يقول إيليا أبى ماضى فى معرض لومه وانتقاده لهؤلاء الذين تركوا التفاؤل ولزموا موضع البؤس والقنوط: هشت لك الدنيا فما لك واجمًا .. وتبسمت فعلام لا تتبسَّم؟ إن كنت مكتئبُا لعز قد مضى .. هيهات يرجعه إليك تندُّم. الأبيات على ما تحمل من حِكمة وافرة؛ فإنها تستثير الشُّجون وتبعث بالحَسرة للقلوب، والحقّ أن كثير الناس قد ألفوا الدنيا فى الآونة الأخيرة وقد كفَّت عن التبسُّم فى وجوههم؛ تركت جانبًا الهشاشة والبشاشة والخفَّة، وكشرت وعبست إزاء ما شهدت من خيبات كبرى. على كل حال فإن التفاؤل أملٌ، والأمل مُحرك الحياة الأول؛ لا يتسنَّى فى غيابه المُضىُّ بثبات إلى الأمام.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات