موت إلياس خورى خسارة جديدة - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 19 سبتمبر 2024 10:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موت إلياس خورى خسارة جديدة

نشر فى : الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 - 6:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 - 6:45 م

يصعب تخطى معنى الخسارة فى التعامل مع خبر وفاة الروائى اللبنانى إلياس خورى، الذى لم يكن روائيا متميزا فحسب، بل كان مفكرا ومثقفا عضويا من الطراز الذى قصده جرامشى، وطبعة أخيرة من صورة المثقف الضمير الذى تحدث عنه إدوارد سعيد.

يتضاعف معنى الخسارة فى هذا التوقيت بالذات؛ حيث تخوض الذاكرة الفلسطينية معركة من أشرس معاركها، فقد خسرت واحدا من أبرز المدافعين عنها فى العالم.

دفع الياس خورى أثمانا كثيرة لهذا الإيمان بعدالة القضية الفلسطينية وواجه مساومات كثيرة لكى يتخلى عن هذا الإيمان مقابل أن يحظى بمختلف صور التكريس والجوائز، لكنه ظل عند موقفه.

خاض معاركه باسم فلسطين ومن أجلها حتى إن اسمه اقترن بهويته الفلسطينية التى اختارها لنفسه ونال تكريما كبيرا حين تم اختياره رئيسا لتحرير مجلة الدراسات الفلسطينية بعد سنوات من العمل مع الثورة الفلسطينية.

وعلى الرغم من الروايات المهمة التى كتبها إلياس حول لبنان إلا أن القراء ظلوا منحازين دائما لرواياته التى اعتنت بإبراز السردية الفلسطينية حول ما جرى بعد النكبة وقبلها وتولى مع آخرين مهمة مواجهة الرواية الإسرائيلية بالكتابة عن الذاكرة الفلسطينية.

عرفته شخصيا بسبب رواية (باب الشمس) التى حولها يسرى نصر الله إلى فيلم ملحمى جميل ولم أكن قد قرأت قبلها سوى الوجوه البيضاء ولا يزال فى روحى أثر من ليلة لا أنساها أبدا من ليالى العام 2005 بعد أن ذهبت إلى سينما جالاكسى بالمنيل وشاهدت الجزء الأول من الفيلم وخرجت بعدها مكتئبا حزينا وآثرت أن أمشى وحدى من المنيل إلى وسط البلد، محاذيا النيل وبكيت كما لم أبك من قبل حتى غمرت وجهى الدموع، وامتلأت روحى بالألم الفلسطينى.

وفى نفس الليلة ذهبت إلى مكتبة مدبولى واشتريت رواية إلياس خورى وواصلت الرحلة مع (يونس الأسدى) وعائلته وفهمت تماما الألم فى عبارة «أن تكون فلسطينيا» واستعدت فى ذاكرتى مقالات كتبها محمود درويش فى صحيفة اليوم السابع عن معاناة الفلسطينى فى المطارات.

 ساعدتنى الرواية التى تركز على معاناة اللاجئين على امتلاك هوية رافقتنى إلى الآن، وبعدها لم أتوقف عن متابعة أعماله، وكانت عناوينها لافتة وجذابة، فيها ما أحببته كثيرا وما لم يعجبنى أيضا، فقد أحببت (الوجوه البيضاء) التى شكلت صورة لبنان قبل أن أزوره.  

وكم كانت فرحتى غامرة حين قابلته فى فندق قاهرى عام 2012 لإجراء مقابلة صحفية ولم نكن بحاجة لكثير من الوقت لتخطى حواجز اللقاء الأول، وتوافر بيننا ما نتحدث فيه وساعدت الصداقات المشتركة على تأمين مساحة من الحوار الدافئ.

كانت الثورة السورية فى عزها وكنت أرى أن الموقف منها معيار لتقييم المواقف والأشخاص، فالكثير من المثقفين الذين انتظرنا موقفهم خذلوا الناس واتخذوا مواقف مخجلة لدعم الديكتاتورية بزعم حماية الاستقرار.

وفى الحوار قال خورى إن هؤلاء المثقفين خذلوا الثورة السورية وتركوها فى العراء.

 بعد المقابلة بسنوات التقينا من جديد حيث تشاركنا منصة واحدة للحديث عن رواية (فى بيت العنكبوت) للكاتب المتميز محمد عبد النبى أمام جمهور من القراء لم يكن مرتاحا تماما لموضوعها وكانت تنافس رواية لإلياس على جائزة كبيرة.

آثرت فيه حديثه الفنى الملهم حول الرواية وموضوعها وبروح معلم حقيقى قال: «فخور بمنافسة هذه الرواية، لأنها ساعدتنى على اكتشاف كاتب مهم له شأن كبير».

وبعد خرجنا من الزحام فى اتجاه الفندق الذى كنا نسكن فيه، واصلنا الحديث عن أدواره المؤثرة فى الصحافة الثقافية فقد شغل منصب رئيس تحرير الملحق الثقافى الأسبوعى لصحيفة النهار اللبنانية اليومية فى تجربة ظلت ملهمة لى ولغيرى ممن اختاروا العمل فى هذا المجال.

تحدثنا كثيرا عن حمى المنافسة التى جاءت الجوائز الأدبية لتزيدها فقال «رفقة الفن تلغى المنافسة وتعزز التواصل وتلغى الضغينة» وكان هذا درسه الجميل الذى استقر فى نفسى.

وفى غيابه تفقد الصحافة العربية مثقفا نقديا عمل دائما على تأكيد قيمة العقل وجدد فى مفهوم الالتزام كما حافظ على انحياز جمالى متدفق ومسئولية أخلاقية رفيعة.

 ولا أظن أن كاتبا عربيا عاش التجربة التى عاشها إلياس خورى الذى عرف من الصحافة عن قصة حدثت فى عام 2013 بعد أن تمكن 300 شاب وشابة من فلسطين، من قطع الطريق بين القدس والضفة الغربية، بالدخول إلى مستعمرة فى منطقة تتوسطهما، والبقاء فيها لمدة ثلاثة أيام.

لقد استولى هؤلاء على هذه النقطة وسموها طوال فترة بقائهم فيها «باب الشمس» تماما كما اضطر سائقو التاكسى فى كولومبيا لاختراع قرية تلبى مطالب السياح الذين توافدوا للسؤال عن القرية التى كتبها عنها ماركيز فى الحب فى زمن الكوليرا ، أنها الهبة التى يمنحها القراء للكاتب وللخيال ،فقد كتب نجيب محفوظ الحرافيش وهو لا يدرى أن حارة من لحم ودم توجد فى القاهرة بنفس الاسم وربما واجه أهلها ما عاشها سكان الخيال مع عاشور الناجى.