العالم اليوم يهتم بالمسألة الدينية مهما اختلفت معتقدات الشعوب وتعددت، ومهما همش الدين أو أودع طيّ الإهمال أو النكران. ففى كل وسائل الإعلام اليوم تجرى تغطية الحدث الدينيّ ويتم تداول الخبر المتعلق به ونقله. وتعصف معه أسئلة كثيرة: هل توجد بين الدين والإعلام علاقة جدلية؟ هل يشكل اللقاء بينهما مجازفة أو فرصة؟ ما هو تأثير الإعلام فى التجربة الدينية والوعى الاجتماعى؟ وما تأثير الدين فى التجربة الإعلامية؟ ما دور الإعلام فى تغطية الحدث الدينى، وما دوره فى نشر ثقافة الحرية الدينية التى هى «ليست منحة من أحد بل هى حق جوهرى من حقوق الإنسان».
ولأنها حق جوهرى مرتبط بحق التعبير ولأن وسائل الإعلام هى وسائل تعبير، ارتبطت الحرية الدينية بحرية الإعلام ووجدت فيه وسيلة تواصل واتصال، وعليه يتوقع من الإعلام أن يروج لثقافة الحرية الدينية خاصة فى الأحداث الراهنة التى تؤجج بعض الجماعات المتطرفة نيران الفتن فى بعض بلاد الشرق الأوسط.
فمن الصعب ممارسة الدين والتعبير عنه بحرية فى بعض المناطق فى العالم إلا وتتعرض الحياة والحرية الشخصية للخطر أو التعرض لأحكام مسبقة والرموز الدينية وكثيرون يتعرضونه يوميا إلى الإهانات ويعيشون وسط مخاوف بسبب بحثهم عن الحقيقة ونداءاتهم للإقرار بالحرية الدينية.
خصوصية الشخص الإنسانى تجد تعبيرها فى الحرية الدينية التى يستمد جذورها فى كرامة الإنسان الذى خلقه الله. وبهذا فإن كل شخص صاحب حق مقدس فى حياة كاملة. بدون الإقرار بكياننا الروحيّ وبدون الانفتاح، ينغلق الإنسان على نفسه ويصبح عاجزا عن إيجاد أجوبة عن تساؤلات قلبه حول معنى الحياة وعن اكتساب قيم ومبادئ أخلاقية ثابتة إلى حد عدم القدرة على اختبار حرية أصيلة فى مجتمع عادل.
إن التربية على اكتساب الحرية الشخصية مع احترام حرية الآخر لا تزيل الهوية الخاصة لجماعة دينية؛ لأن الهوية الدينية يمكن أن تحدد إزاء الآخرين لكن لا تحدَد ضد الآخرين، فتؤدى إلى إقصائهم ومحاربتهم ومن ثم إلغائهم. إن حرية الضمير والحرية الدينية تفترضان حق الأشخاص والجماعات أن يكونوا مختلفين، دون التعرض لخطر الإقصاء من الحياة أو من الوطن.
فكل شخص له أن يمارس حرية الحق فى المعتقد وفى التعبير عن دينه وإيمانه على الصعيدين العام والخاص ودولة الدستور والقانون تضمن له ذلك.
يجد ذكر الإشارة إلى خطر الاستخدام الاستغلالى للحرية الدينية من قبل وسائل الإعلام عن طريق التحريض الطائفى والفئوى أو الاستفزاز غير المنضبط، وكلا الموقفين يدلان على افتقار للموضوعية والمصداقية وقراءة للحدث الدينى من منظور شخصى يسقط فيه الإعلامى أحكامه المسبقة على الخبر الدينى أو الخبر السياسى المغلف بالدين والدين منه براء.
هناك إعلاميون يعترفون للكل بحق حرية الضمير ويحترمون الحرية الدينية للجميع فى بلدهم. لكن ما إن يلاحظوا أن سائر الجماعات يتصرفون بطريقة مختلفة ويخضعون لمضايقات عديدة، يتساءلون إذا كان يجب – بحسب مبدأ المعادلة بالمثل – اختزال أو التقلص من حجم الحرية الدينية. من هنا، ينقادون لتبنى موقف عملى لم يعد يتناسب مع مبادئ نظامهم الديمقراطى. ويصبحون غير أوفياء لقناعاتهم الخاصة بالتسامح وإرثاء مبادئ العيش المشترك المثمر لكل الجماعات فى المجتمع.
احترام حرية المعتقد والانتماء الدينى مطلوب أيضا من الإعلامى. فالموضوعية تتطلب منه ألا يأخذ موقفا ساخرا أو منتقدا أو جارحا أو رافضا للآخر بل نقل معتقد الآخر كما يؤمن به ولا كما يتصوره الإعلام. فالسخرية من الرموز الدينية والتهكم بالشخصيات الدينية لا تدخلان فى خانة حرية التعبير بل هما رفض للآخر وعبودية للأحكام المسبقة تجاهه. وقد كان على الإعلام مواجهة الموقف المضاد هذا لحرية التعبير بالنقد اللاذع والبناء نظرا إلى الجهل الماحق الذى يستبد به.
من هنا يمكن الإعلام الدينى وغير الدينى أن يكون مدرسة تتلقى فيها شريحة كبيرة من الناس كيفية بناء العلاقة بالآخر على أسس الاحترام المتبادل. فالإعلام مدعو أن يتسامى إلى مستوى الأديان ليعود الإنسان إلى حرية بشرية ولدت فى كينونته ويسمو إلى حرية دينية من أجل كرامته، لتشرع مقولة: كما فى الأديان كذلك فى الإعلام.