كان المشهد مهيبا ومبهرا. أقرب ما يكون إلى ما فعله نبى الله موسى عندما شق البحر بعصاه فتراجع ليفسح طريقا للناجين. لم ينشق البحر لكنه انحسر بوداعة وخمول ليكشف عن قاعه للعيان. لم تصدق آرلت ستويب عينيها. كانت تقضى إجازتها مع زوجها توم فى جزيرة كاو لاك فى تايلاند. تطلعت فى دهشة بينما هرع عشرات السياح نحو البحر لتصوير المشهد.
نظرت آرلت لزوجها فوجدته مشدوها. يعشق البحار وسبق له أن عاش على شاطئ كاليفورنيا سنتين من عمره. لكنه لم ير أى مسطح مائى يتصرف بهذه الطريقة. على حين غرة تذكر أنه سمع صوتا هائلا قبل قليل. أدرك أن ما سمعه ولم يدر كنهه وقتها كان زلزالا. اتسعت عيناه فى رعب وجذب ذراع زوجته وصرخ: «اجر بسرعة». هرع الاثنان نحو المرتفعات القريبة بينما كان يجرى الآخرون مبتهجين فى اتجاه الشاطئ. بعد دقائق من العدو نظر خلفه ليشاهد حائطا هائلا من الماء يجرف الأشخاص والأكواخ والمبانى. يجرف كل شيء فى عنفوان بالغ ويضرب البشر بالحجارة وهو يتحرك بسرعة تقترب من خمسين ميلا فى الساعة. دمار مرعب. عندما انحسر الماء عاد الزوجان للمشاركة فى أعمال الإغاثة والمساعدة فى نقل الجثث وإسعاف ضحايا ما عرف لاحقا بتسونامى المحيط الهندى عام 2004.
تقليل مخاطر الطبيعة موضوع خصصت له الأمم المتحدة ملتقى مهما اختتم أعماله أمس الأول السبت فى تونس العاصمة بهدف مساعدة الدول العربية والإفريقية على وضع آليات تستجيب لأهداف اتفق المجتمع الدولى على تحقيقها فى إعلان سنداى ــ اليابان عام 2010. شرفت بالمشاركة فى المؤتمر مديرا لعدد من ندواته الرئيسية وهو ما سبق أن فعلته فى مؤتمرين مماثلين فى شرم الشيخ وفى سنداى اليابانية.
لسبب ما نعتقد أننا آمنون من مخاطر الطبيعة، والحقيقة أن انخفاض احتمال وقوع تسونامى لا يعنى أنه لن يقع. لو كان احتمال سقوطى أثناء نزول الدرج واحدا فى الألف لا يعنى هذا أننى ربما أسقط فى المرة الألف لكنه يعنى أننى معرض للسقوط من المرة الأولى لاستعماله. لهذا ينبغى الحذر.
المشكلة مع التسونامى ليس فى ارتفاع أو انخفاض احتمالات وقوعه ولكن فى الدمار الذى يمكن أن يخلفه إذا وقع، وقد وقع. تعرضت مصر لتسونامى دمر الإسكندرية عام 365 ميلادية. أسفر عن مقتل نحو خمسين ألف شخص، وتشريد مئات الآلاف، وتدمير عشرات الآلاف من المبانى.
الإعداد لمواجهة أخطار الطبيعة والتقليل من آثارها لا يقتصر على التسونامى وإنما يمتد لغيره من الظواهر. هناك الجفاف والتصحر وارتفاع منسوب مياه البحر والزلازل والسيول وغيرها.
التعامل مع المخاطر لا ينتهى بوضع استراتيجيات أو دراسات.. لابد من ترجمة هذه:
ــ إلى تعليمات للأمن والسلامة.
ــ إلى ورش تدريب للعاملين فى المنشآت السياحية الممتدة على طول السواحل.
ــ إلى خرائط واضحة تحدد المناطق التى يمنع فيها البناء بسبب وجودها فى مناطق خطرة مثل مخرات السيول.
ــ إلى معايير فى التشييد تلتزم بها الشركات التى تبنى منشآت على سواحل البحرين الأحمر والمتوسط.
أنظمة الاستشعار المبكر ليست حلا فى حد ذاتها. وتسونامى إندونيسيا الأخير كشف عن قصور واضح فى التعامل مع الخطر رغم إدراكه فى وقت مناسب. رد الفعل الواعى يشكل الفرق بين الموت والحياة. هذا وليس الحظ هو الذى أنقذ توم وزوجته عندما اتجها نحو المرتفعات، خلافا لكثير من الضحايا الذين فعلوا العكس فاتجهوا للبحر وكانوا من بين 230 ألف قتل راحوا ضحية التسونامى فى ذلك العام.
انتبهوا!