في تسعة أيام فقط أنجز الجيش البريطاني بالتعاون مع هيئة الصحة الوطنية أكبر مستشفى ميداني لاستقبال حالات الكورونا الحرجة. افتتح المستشفي منذ أيام في شرق لندن على مساحة تكافيء 12 ملعبا لكرة القدم بطاقة أربعة آلاف سرير رعاية مركزة. الرقم ضخم لو قارنناه ببيان وزارة الصحة المصرية في أول مارس الذي يقول إنها خصصت نحو 400 سرير رعاية في 26 مستشفى خصصتها للكورونا في أنحاء الجمهورية.
البريطانيون يعترفون باهتراء نظامهم الصحي ويرون أنهم يحصدون تبعات إهمال قطاع الصحة سنة بعد سنة. لكنهم في الوقت ذاته يخططون بشفافية لمواجهة قمة منحنى الإصابات التي يتوقعونها في شهر مايو، بنشر الوعي بين الناس، وفرض سياسة عزل صارمة، وإنشاء مزيد من المستشفيات الميدانية التي سيفتتح أربعة منها في مانشستر وبريستول وبرمنجهام وهاروجيت.
تشغيل كل هذه المستشفيات سيتم استعانة بمتقاعدين عادوا للخدمة، إضافة إلى طلاب طب في سنواتهم النهائية، وعدد ضخم من العاملين في شركات الطيران ممن تم الاستغناء عن خدماتهم في الشهور الأخيرة بسبب توقف حركة السفر. كلهم يمرون الآن ببرامج تدريبية لإكسابهم المهارات اللازمة.
تجتهد الحكومة البريطانية لتحقيق أكبر قدر من الشفافية فيما يتعلق بخططها. أحيانا تقابل هذه الخطط بنقد حاد يستدعي تعديلها. وهو ما حدث عندما أعلن رئيس وزرائها عن تبني ما سمي بسياسة مناعة القطيع أو المجموع، التي تم التخلي عنها بسبب تكلفتها البشرية الهائلة، لصالح سياسة تسطيح المنحنى. والصحافة البريطانية تستطيع أن توجه أسئلة وتحصل على إجابات من إدارة تعلم أنها تعمل لدى الشعب وتحصل على مرتباتها من ضرائبه أو موارده.
في الحالة المصرية لا يبدو أننا نعلم سوى القليل عن إمكاناتنا وعن سياسات الحكومة وخطط التوسع أو المواجهة. وما يتوفر في المجال العام أقل بكثير مما ينبغي مشاركته على الأقل لتحفيز المجتمع على التطوع والمشاركة.
مؤخرا نشر موقع الموقف المصري مقالا رصد فيه الجهود الحثيثة التي قامت بها وزارة الصحة حتى الآن لمواجهة الوباء، لكنه وضع في النهاية قائمة بمجموعة من الأسئلة التي يتعين الحصول على إجابات واضحة لها تتلخص كلها في نقطتين: ما هي قدراتنا مجتمعة (في مستشفيات وزارة الصحة، الجامعات، الشرطة، الجيش، والقطاع الخاص)؟ وما هي خطط التوسع لتغطية العجز؟
ماذا لدينا وماذا نحتاج من: أسرة الرعاية، أجهزة التنفس، الأطباء وأطقم العناية الصحية، التحاليل، معدات ومواد الوقاية؟ وما هي سبل تغطية هذا العجز؟
هذا هو الأسبوع الثالث على التوالي الذي أكتب فيه عن أهمية التخطيط والشفافية وتوسيع المشاركة المجتمعية. وهي أساسيات لا غنى عنها لمواجهة وباء بهذا الحجم والخطورة وتقليل أخطاره. ويقيني أن الفيروس كان كريما معنا أكثر من غيرنا فيما منحنا من وقت للإعداد لمواجهته. الفرصة لاتزال موجودة رغم أن القنبلة توشك على الانفجار. أعداد المصابين تتزايد بشكل مضطرد وبؤر انتشار المرض المفاجئة بدأت في الظهور وربما كان أبرزها معهد السرطان الذي تكشف، حتى هذه اللحظة، إصابة خمسة عشر شخصا من العاملين فيه، يعمل أغلبهم في مستشفيات أخرى. ولا يكاد يكون هناك شك في أنهم نقلوا الفيروس لمخالطيهم من الأطباء والمرضى ومنهم إلى ذويهم.
تذكير أخير: السجون المكتظة مرتع خصب للكورونا. العدوى لن تنتشر بين المساجين فقط، لكنها ستمتد للحراس والضباط وأسرهم ومخالطيهم ومنهم لباقي المجتمع. الإعداد لإطلاق سراح من لا يشكلون خطرا ووضع تدابير احترازية إن لزم الأمر سيكون إجراء ضروريا. هذا ما فعلته: اسكتلندا والولايات المتحدة وإيران والبحرين والأردن والسعودية وتركيا والجزائر والسودان. مازالت هناك فرصة لنزع الفتيل قبل الانفجار. لكنها قد تكون الأخيرة.