الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ستتسبب فيها إجراءات الحظر اللازمة لمواجهة وباء الكورونا تحتاج لتضافر الجهود من أجل تقديم العون لفئات عديدة ستواجه مخاطر العوز وربما الجوع في الأسابيع أو الشهور المقبلة.
إلا أن تحديات عديدة تقف في سبيل تفعيل التكافل المجتمعي، تحتاج إعادة نظر فيها والتفكير في بعض الحلول الجديدة. دعنا نحلل المشكلة من البداية.
يمكننا تقسيم الناس إلى قسمين.
أولا: محتاجون. يزدادون عددا ومعاناة.
ثانيا: متبرعون. ربما ليسوا أغنياء بالضرورة لكن لديهم ما يسترهم ويفيض.
المشكلة أن كثيرين منهم يرغبون في التبرع والمساعدة لكنهم يتشككون في المؤسسات الخيرية والمبادرات المعروفة. يصعب عليهم مد العون للمحتاجين مباشرة لأنهم يعيشون في مجتمعات يشوبها نوع من التجانس الطبقي والاقتصادي ولا يعرفون من المحتاجين سوى من يساعدهم أحيانا في تنظيف المنزل أو رعاية الأطفال.
أضف إلى ذلك أنهم أحيانا يتمتعون بنوع من الخجل يجعلهم يحجمون عن التواصل المباشر مع من يحتاجون العون. يرغب كثيرون منهم في تقديم الدعم دون أن يكون لهم علاقة مباشرة بمن يستحقونه. ربما خوفا من أن تنشأ علاقة اعتماد تترتب عليها توقعات يصعب عليهم ضمان تحقيقها بشكل مستمر في المستقبل.
لهذه الأسباب كلها توجد مشكلة في أن يعثر متبرعو "ثانيا" وهم في تصوري كثيرون، على المحتاجين من أهل "أولا".
ما العمل إذن؟
هناك في الواقع فئة أخرى ينبغي علينا تنشيط تفاعلها ومشاركتها. هؤلاء هم أهل "ثالثا".
قطاع من المجتمع لديه معرفة باحتياجات الدوائر الصغيرة المحيطة. يؤلمهم الوضع لكنهم لا يملكون إلى المساعدة سبيلا إما لأنهم لا يملكون زيادة يقدمونها للغير أو أن ما يفيض على حاجتهم لا يغطي بالضرورة حجم الاحتياج الذي يرونه حولهم.
أهل ثالثا هم "الوسطاء" ودورهم في غاية الأهمية لأنهم المفتاح و"الكوبري" الذي يمكن أن يربط بين متبرعي ثانيا، ومحتاجي أولا.
فكر في الأمر باعتبارها نوعا من عمل الخير التشاركي. حيث يوجد طالب خدمة، ومقدم خدمة ووسيط يصل ما بين الاثنين.
هذه ليست محاولة لعمل مؤسسات خيرية بديلة ولكن لتشجيع ظهور شبكة واسعة مليئة بنقاط الثقة الصغيرة، تمتد في المجتمع وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة لكي يخدم الجميع الجميع. شبكة عنقودية تنظم نفسها من الأطراف دون إدارة مركزية. فقط بانتشار الفكرة وتقليدها وتشجيع أهل ثالثا من محبي الخير والعاجزين عن تقديم الدعم بأنفسهم على الإعلان عن احتياجات دوائر صغيرة ممن حولهم.
افترض مثلا أن كل واحد من أهل ثالثا نظر في محيطه ووضع عينه على خمس أو عشر أسر فقط من أهل "أولا". وقدر تكلفة احتياجاتهم ثم أعلن الفكرة على صفحته في فيسبوك لمد العون لهذا العدد المحدود من الأسر.
لا يتوقف الأمر بالضرورة على احتياجات مباشرة من مأكل ومشرب وإنما قد يتجاوز الأمر لدفع مصاريف مدارس أو ملابس العيد أو الشتاء أو ما عداها من احتياجات.
تعتمد المسألة هنا على الثقة بالدرجة الأولى. وعلى الأرجح سيوجد في دائرة كل واحد من هؤلاء عددا مناسبا من الأفراد يمكنه المساعدة ويسعده التواصل مع من يستحقها. على هذا المستوى لن توجد حواجز وطبقات كثيرة من البشر، بين الراغبين في فعل الخير ومن يستحقونه. ومفتاح النجاح في مبادرة من هذا النوع يكمن في تشجيع أهل "ثالثا" ممن لديهم المعرفة على الجهر بما يستطيعون المساعدة فيه من خلال مساحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي.
لو كنت من أهل ثالثا وأعجبتك الفكرة ابدأ واكتب لي لنتابع معا قصة نجاحك.