عزبة الصفيح: ربما كانت الوطن الوحيد الذى إذا قدِّر لك أن تغادره لما اشتقت إليه أبدا ولا نازعتك نفسك فى العودة إليه. أغالب مشقة بالغة فى أن أصف سكانها بالمنبوذين رغم أن الوصف حقيقى، فهم حقا منبوذون وأراه وصفا جارحا لهم مهينا لنا. سكان عزبة الصفيح هم مرضى الجذام الذين انتهى بهم الأمر إلى الحياة فى تلك البقعة من الأرض التى احتوت عذاباتهم واجتمعوا فيها على عزلة فرضها العالم عليهم بعد أن ترك المرض على ملامحهم آثاره البغيضة التى تجعلهم يتوارون خشية أن يدفعك الفضول للتفرس فيها فتؤذيك.
عزبة الصفيح لا تبعد كثيرا عن مستعمرة الجذام بأبى زعبل مسافة تقطعها العربة فى نحو الساعة من القاهرة، تمر فيها على السجن الأشهر فى مصر وهيئة الطاقة الذرية إذا ما اتخذت ترعة الإسماعيلية دليلك. مستعمرة الجذام اسم يطلق على مستشفى الجذام ليؤكد ضرورة انعزالها عن كل ما حولها. بنيت عام 1930 وقت أن كانت الصحراء حولها مترامية الأطراف لا تشى بأى مظاهر للمدنية. أوقف الملك فاروق ألفًا ومائتى فدان لعلاج مرضاها انحسرت إلى مائة وخمسة وعشرين فدانا تزرع الآن بالتين الشوكى والموالح تذهب حصيلتها للموازنة العامة!.
يفتح المستشفى أبوابه لعلاج الحالات التى يتم تشخيصها حديثا ويسكنها من هم فى حاجة لرعاية مستمرة بإمكانيات محدودة للغاية تتيحها وزارة الصحة. مستشفى يهرب منها الأطباء فخطر العدوى يتهددهم. وبدل العدوى الذى يتقاضاه طبيب الأمراض الجلدية الذى يقوده مصيرهم للعمل هناك هو عشرة جنيهات لم ينلها مدير المستشفى الحالى لأنه إخصائى للأمراض الباطنية ولم يشفع له كونه من مواليد سكان أبوزعبل وأن المستشفى يعمل به طبيبان فقط لا غير هو أحدهما.
قد يفاجئك المشهد فالمستشفى مجموعة مبانٍ قديمة لكنها ماز الت تحمل معالم المعمار القديم السخى فى ارتفاعاته. والحديقة بديعة تشى بجهد لبشر محبين للحياة فمن أين أتوا إلى ذلك المكان البعيد النائى؟ هذا حديثنا فى أيام قادمة إن شاء الله أما الصدمة الحقيقية فهم سكان عزبة الصفيح عائلات بكاملها مريضة بالجذام تعيش وتمارس طقوس الحياة اليومية فى ظروف حياتية يصعب على أى إنسان سليم الفطرة تصديقها. أكتب اليوم لعلى ألفت النظر لحق ذلك المجتمع فى مكان على خريطة التأمين الصحى الذى يرسم معالمها السيد وزير الصحة الآن، ولتكن البداية إن شاء الله.