ليس أكثر صغارا وتصاغرا من أداء وزير الخارجية أحمد أبوالغيط فى عصر مبارك، إلا وزير الإعلام «المخلوع بالتبعية» أنس الفقى، ذلك الموظف الصغير فى قصور الثقافة، الذى وجد نفسه فجأة وزيرا لإعلام مصر، وجالسا على مقعد كبار مثل محمد فائق وعبدالقادر حاتم ويوسف السباعى ومنصور حسن.
أنس الفقى كان التجسيد الكامل لسياسة «وضع الصغار فى مقاعد الكبار» والتى اجتاحت الحياة المصرية منذ أن اختطف جمال مبارك مفتاح البلد من والده، وخرج يقودها ــ بدون رخصة ــ يتنزه بها مع صاحبه أحمد عز وآخرين ويستعرضون حركاتهم البهلوانية فى عرض الطريق حتى وقعت الكارثة، إذ انفجرت إطارات البلد وانقلبت عدة مرات فسقطت واستقرت فى الهاوية.
لقد عشنا منذ منتصف التسعينيات تحت رحمة مجموعة من الشباب الطائش المتهور، يتزعمهم الشاب جمال مبارك وصديقه الثرى المسكون بأوهام وسامته وأناقته أحمد عز، وهذا الثنائى فتح أبواب بيت الحكم أمام باقى أصحابهم فى شلة الفكر الجديد، من الشباب المعجبانى، الممتلئ جهلا وادعاء، الفارغ من أية كفاءة أو قيمة إنسانية.
غير أن أنس الفقى يبقى حالة فريدة من نوعها، إذ لم يكن أمهر صناع النكتة فى مصر يتخيل أنه من الممكن أن يكون وزيرا للإعلام، ذلك أن القسم الأكبر من علاقته بوسائل الإعلام أنه كان مندوب هيئة قصور الثقافة لتوصيل الإصدارات والدعوات إلى الصحف ووسائل الإعلام.
وربما يقرأ البعض هذا الكلام على أنه سخرية من الرجل، غير أن الأمر ليس كذلك، إذ إنه من المهم التعرف على الأرضية التى جاء منها، لنستطيع فهم الكوارث التى نتجت عن ذلك.
ولو صح ما قاله أمين العام الحزب الوطنى المستقيل الدكتور حسام بدراوى لموقع «المصريون» أمس بشأن تسجيل مبارك قرار التنحى لإذاعته مساء الخميس، وأن أنس الفقى رفض إذاعته على الجماهير فإننا نكون أمام جريمة سياسية وجنائية تستوجب المحاكمة والعقاب.
فالذين استمعوا لخطاب مبارك المستفز قبل منتصف ليل الخميس خرجوا من ميدان التحرير يضعون أيديهم على قلوبهم خشية اندلاع أعمال العنف بين المتظاهرين والجيش، ورأيت دموعا فى عيون رجال وسيدات رعبا من حمامات دم فى الشوارع.
فالثابت أن الملايين خرجوا إلى ميدان التحرير وكلهم يقين فى أن مبارك سيلقى بيان التنحى، وفجأة وجدوا من يتحداهم ويثير كراهيتهم وغضبهم معلنا أنه «قاعد» على قلوب وجثث الجميع، ومن ثم فالذى منع خطاب التنحى، وأذاع بيان الإغاظة والكيد، وضع البلد على فوهة بركان، وكاد يشعل حريقا فى نسيج مصر، لولا أن عناية الله دفعت جيش مصر العظيم إلى اتخاذ خطوته التاريخية، لينقذ الوطن والمواطن من جحيم مستعر.. وهذا مناسبة لأدعو الجميع لوضع ثقتهم الكاملة فى جيشنا الباسل، وأعتقد أنه سيفى بوعوده ولن يخذلنا.. لقد نظفنا ميدان التحرير فلنتركه يتنفس ونعود إلى بيوتنا حاملين رايات الانتصار.
توضيح لازم لسفراء مصر ودبلوماسييها
عرضت فى مقال الأمس برقيات مكتب وزير الخارجية إلى البعثات المصرية فى الخارج والتى تطلب من أعضائها موافاة الوزارة «بشكل فورى بأية معلومات بشأن ما يتناوله الدبلوماسيون فى أحاديثهم الخاصة» وقد علقت على هذه الفقرة بالقول إن المطلوب حسب البرقية أن يتحول سفراء مصر ودبلوماسيوها فى الخارج إلى مجموعة من المخبرين، والمعنى واضح لا لبس فيه وهو أن الوزارة فى عصر أبوالغيط هى التى تريد من رجالها لعب هذا الدور، وأعلم يقينا أن الخارجية المصرية عامرة بالشخصيات المحترمة، وأعرف أن منهم من تعرض لمضايقات لتعاطفه مع أحداث ثورة 25 يناير.. وبالتالى لم أكن أقصد تشكيكا ولا إساءة فى رجال الخارجية المصرية.
ولست فى حل من أن أكشف أننى كتبت هذه السطور استجابة لمشاعر غضب نبيلة عبر عنها دبلوماسيون مصريون يعملون بالخارج اتصلوا بى يشكون الانهيار الذى أصاب الدبلوماسية المصرية فى زمن أبوالغيط.