رغم يقينى أن الغيرة إحساس متخلف إلا أننى لا أخفيه حينما أتابع مدى اهتمام كندا بصحة مواطنيها ـ بينما أترقب أنا النذر اليسير من الأخبار عن مباحثات ومناقشات ومؤتمرات ودراسات وورش عمل كلها تدور لتنتهى بلا نتائج تذكر حول قضية التأمين الصحى فى مصر، يحاصرنى اهتمام الكنديين بقضية الوقاية وتحصين الأطفال وتبييض صفحة لقاح الحصبة الذى يتهمه البعض بأنه وراء الإصابة بمرض التوحد.
بدأت القصة بأن روج الإعلام لدراسة علمية محدودة ربطت بين تطعيم الأطفال بلقاح الحصبة «الثلاثى» والإصابة بالتوحد. رغم تراجع الدورية العلمية «لانست» وسحبها للدراسة ورغم إيقاف فريق البحث عن العمل وإعادة تقييم الدراسة ونتائج دراسات موسعة لحقت بها إلا أن بعض الأسر الأمريكية تبنت فكرة رفض تطعيم أبنائهم. تتابعت السنوات لتبدأ الحصبة نشاطها من جديد فكان بالطبع أول ضحاياها من لم يتم تطعيمه من الكبار والصغار.
بدأت فى أكثر الأماكن قربا لقلب الأطفال «مدينة ديزنى» لتنتشر فى أمريكا والمكسيك وكندا.
انتقلت لكندا لتصيب عشرة من عائلة واحدة من إقليم كيبك لم يتلقوا جميعهم لقاحا واقيا من الحصبة كانوا جميعهم فى زيارة لمدينة ديزنى.
رغم أن عدد الإصابات فى كندا كلها لم يتجاوز حتى الآن ١٢١ إصابة مقارنة بعدد سكانها الذين لا يتجاوزون ٣٥ مليونا متناثرين على ما يقارب ١٠ ملايين كيلو متر مربع إلا أن الحصبة هى شغل الحكومة الشاغل الآن.
مع كل نشرة أخبار تتكرر كل ساعة صورة لجغرافيا كندا بكل أقاليمها يرتفع علم أحمر اللون، مشيرا إلى عدد الإصابات فى كل اقليم. رغم أن عدد الإصابات ثابت طوال الأسبوع إلا أن الخبر لا يتوقف بل يتكرر ليذكر الناس بأنهم فى مرمى نيران الحصبة!
إذا انتهت الأخبار بدأت البرامج الصحية التثقيفية: الشرح بطرق مبسطة قريبة للعقل منطقية. المعلومات واضحة سليمة علمية لا مبالغة فيها ولا تهويل أو تهوين. دعوة عامة مفتوحة للتطعيم المجانى وشرح للأماكن المتاح فيها. مشاركة من كل الشخصيات المقبولة اجتماعيا من وزراء وسياسيين وفنانين وشخصيات كرتونية يحبها الأطفال وينصتون إليها.
كل هذا يحدث فى بلد يضمن التأمين الصحى الشامل فيه حق كل مواطن فى الصحة والوقاية والعلاج.
أنا لا أنكر أننا قد خطونا خطوة: نحن الآن لدينا القدرة على الحديث عن أمراضنا واستعراض مشاكلنا الصحية فى وسائل الإعلام. لكن الأمر يقف عند حد الاستعراض ولا يتعداه أبدا إلى مراحل الحل.
أظننى فى النهاية أعرف لماذا زاد يقينى بأن إحساس الغيرة إحساس متخلف لكن عزائى أنه إنسانى على أى حال.