نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب حسين شبكشى، يقول فيه إن الشعوب العربية تتجه لسماع أغانى السيدتين أم كلثوم وفيروز فى يوم عيد الحب، كما قارن فى مقاله بين نظرة أم كلثوم وفيروز للحب فالأولى قوية فى الحب ترى فيه كل الكرامة بينما الثانية ضعيفة لا ترى كرامة فى الحب... جاء فيه ما يلى:
بعيدا عن «كوفيد ــ 19» و«كورونا» واللقاح والاقتصاد والسياسة، فلنأخذ قسطا من الراحة منها جميعا ونحاول أخذ نفس عميق ونغير الموضوع قليلا. بالأمس احتفل العالم كعادته فى الموعد نفسه من كل عام بيوم الحب. فينتشر اللون الأحمر فى كل مكان، ويتم فيه تبادل الهدايا من ورود ودببة مبطنة وقطع من حلوى الشوكولاتة أو الفراولة مع بطاقات فيها عبارات رقيقة للتعبير عن المناسبة العاطفية. ولا يخلو الأمر من مظاهر موسيقية ليحلو وقتها الاستماع لأشهر الأغانى العاطفية التى تغنت بالحب.
وفى عالمنا العربى، الذى يشارك فى هذه المناسبة، يحصل إقبال استثنائى على الأغانى العاطفية من مختلف المشارب والأذواق ما بين عمالقة أصوات الأمس ونجوم الحاضر. إلا أن هناك حضورا استثنائيا يبقى للسيدة فيروز والسيدة أم كلثوم حين الحديث عن أغانى الحب. الفرق بين فيروز وأم كلثوم هو تماما أشبه بالفرق بين بنت يافعة فى سنواتها الجامعية فى ربيع عمرها الجميل، وبين ربة منزل وزوجة بالكاد تمكنت من أن تنوم أطفالها وتقوم بوضع اللمسات الأخيرة لترتيب بيتها قبل أن تخلد للراحة والنوم بعد عناء يوم مرهق وطويل جدا.
فيروز دوما ما تغنى للبدايات الوردية؛ تغنى للحبيب المثالى الذى لا ترى فيه عيوبا بل وتغفر له فورا بقولها: تعا ولا تيجى واكدب على. تغنى للحب الخارج عن حدود الممكن والمنطق والمعقول، الذى يجعلها تبقى عشر ليالٍ سهرانة بتركيز كامل على سطح بيتها لأجل أن تأتى بالقمر لحبيبها. وهى حالة عامة تدور فى مخيلة البنات بشكل عام قبل أن تقوم الحياة بعصرهن جيدا وتمنحهن الدروس القاسية التى لا تنسى والتى ستسمى بعد ذلك بالخبرة المكتسبة.
وصوت فيروز الملائكى وجسمها الرقيق النحيل، يتماشيان تماما مع رقة وعذوبة ونعومة الكلمات التى تشدو بها وتشبه فيها حبيبها بالمغرور. تنشد فيروز عن عالم ملىء بالأحلام والطموحات فى الحب، والدنيا لا يمكن وصفها إلا بالبريئة والصافية... ألم تكن هى التى تساءلت: بحبك ما بعرف ليش؟! أسلوب فيروز فى الوقوف على المسرح، الذى أصبح مع الوقت علامة فارقة يشبه فى وقاره وعزة نفسه كبرياء الفاتنات الصغيرات اللاتى لم تختبرهن الحياة، وبالتالى من المنطقى أن تكون عصفورة الساحات التى ظلت فى حيرة مؤلمة حين قالت: أنا عندى حنين ما بعرف لمين. وفى المقابل هناك «الست» أم كلثوم المرأة التى أدخلتها الدنيا فى خلاط كبير لتعجنها بشكل عنيف. فهى تغنى للحب الصعب والمؤلم الملىء بالتجارب المريرة والمذلة. تدرك تماما عيوب حبيبها، ومع ذلك تغنى له وعزة نفسها منعاها. هى الست التى علمتها الحياة وجعلت نبرة السخرية تخرج من صوتها وهى تقول: وللا فاكر كلمة حتعيد اللى كان؟! كوكب الشرق التى نعرفها تحكى عن تجارب مؤلمة وعِشرة عمر وسنين طويلة جدا جعلت منها امرأة ناضجة وراسخة تحب وتتألم لتصل إلى الحد الذى تقول فيه: صالحت بيك أيامى وسامحت بيك الزمن. ألم وتجارب لا يغيب عنها أفراحه وأتراحه وهى تقول: وافتكرت فرحت وياك قد ايه.
كوكب الشرق تشبه امرأة متزوجة ولديها أولاد وتعلم جيدا كم أنهك عمرها هذا الزواج، فهمت الدنيا بالشكل المطلوب ليظهر هذا كله على أدائها ممسكة بالمنديل وكأنها تخنق به آلامها كلها وكأن قطار الدنيا دهسها مرارا وتكرارا ذهابا وإيابا. فيروز تستمع إليها و«مزاجك رايق»، أما أم كلثوم فتسمعها لكى تروق مزاجك. فيروز حالمة محلقة تقع فى مكان ما بين النجوم البعيدة، فهى ضعيفة بحبها من مدرسة أنه لا كرامة فى الحب، أما أم كلثوم فهى قوية ومتماسكة بقدمين ثابتتين فى عمق الأرض بواقعية مذهلة، وهى من مدرسة أن الحب هو كل الكرامة بعينها. فيروز وأم كلثوم كلتاهما تغنيان للحب، ولكن معهما يكتشف المستمع لهما أن الحب أنواع وأشكال وأصناف.
غنى للحب بالعربية المئات من الأصوات عبر الزمن، ولكن تبقى مدرستا فيروز وأم كلثوم الأكثر تأثيرا؛ فالأولى يبدأ بها العشاق صباحهم والثانية يختم بها الحبّيبة ليلهم. ولكن الحب مختلف بحسب الرسالة وناقلها، فحتما من تقول: حبيتك بالشتا وحبيتك بالصيف، مختلفة تماما عن التى قالت: حب إيه اللى انت جاى تقول عليه... انت عارف قَبَلَ معنى الحب إيه.
عيد حب سعيد على الجميع.