فى زيارة مكوكية سريعة إلى دولة هولندا الشقيقة شعرت بالمفاجأة من أعداد المحجبات هناك.. فى كل مكان تجدهن يتحركن بنشاط وينخرطن فى كل مجال من مجالات الحياة ولم أملك إلا أن أشعر بالإعجاب تجاه هذا المجتمع المنفتح الذى يتقبل الجميع دون تفرقه حتى سمعت عن انتخابات قادمة يدعو فيها رئيس حزب متطرف إلى حظر تداول القرآن فى هولندا وفرض ضريبة مالية على مرتديات الحجاب..
طبعا اتنرفزت وغلى الدم فى عروقى.. وبدأت فى خطبة نارية تدافع عن ارتداء الحجاب باعتباره حرية شخصية ورمزا دينيا مالوش علاقة بالعنف ولا بالتطرف عشان يعتبر زى يجب منعه أو وضع القيود على ارتدائه..
وشاركتنى فى هيئة الدفاع صديقتى الهولندية التى تقيم فى مصر وانبرت تشرح لصديقاتها براءة الحجاب من تهمة الإرهاب وتحدثهن عن الحجاب المنفوخ والحجاب الإسبانيش عن الحجاب على الجينز الإستريتش والحجاب على بلوزة بنص كم عن الحجاب مع ترك نص متر من القُصة المصبوغة باللون الأشقر والحجاب الشفاف الذى يكشف كل ما تحته..
عن موازنة المحجبات الجديدات بين ارتداء الموضة التى يعشقونها والضحك على دقن المجتمع الذى يضغط عليهن لارتداء الحجاب.. عن اللى لبساه موضة واللى لبساه عشان تتجوز واللى لبساه عشان مكسلة تسرح شعرها واللى لبساه عشان ما معهاش فلوس تروح للكوافير..
اللى لبساه ومصاحبه واللى لبساه ومتجوزة عرفى واللى لبساه وقاعدة طول الليل على الكورنيش مع الجو يعدوا النجوم..و رغم إنى وقتها كان المفروض أسعد لهذا الدفاع اللى أقنع الواقفين أن الحجاب فعلا ليس له علاقة بالإرهاب لكنى وقتها كنت فى نص هدومى لأن صديقتى صدمتنى بفهمها العميق لمدى ابتذالنا للحجاب حتى أصبح مجرد زى كالسارى والكيمونو، ولأن ارتداءه مجرد شكل اجتماعى لا يرتبط بالضرورة بالتزام دينى من التى ترتديه..
ومع ذلك يبدو الحجاب أحيانا وكأنه أهم شىء فى حياة المصريين فيحتل وقتا وجهدا ومناقشات أكتر من أى شىء آخر.. الحجاب الحجاب.. الحجاب قبل الحساب.. الممثلة الفلانية اتحجبت والممثلة الفلانية قلعت الحجاب و4 أو 5 جروبات يوميا على الفيس بوك للدعوة لارتدائه أو خلعه.. وقد يبدو أن كل هذا التركيز والضغط من المجتمع من أجل أن تتحجب كل فتياته قد أتى ثماره فعدد المحجبات فى مصر يقدر بـ 85% من عدد النساء والفتيات المصريات لكن كم منا ترتدى الحجاب فقط بسبب ضغط مجتمع أصبح يهتم فقط بالمظهر وليس له أية علاقة بالبحث فى جوهر الإنسان ولا أخلاقه ولا حتى تدينه..
على البريد الإلكترونى كل شهر تصلنى مئات المقالات والمواقع المخصصة فقط للحديث عن الحجاب.. لا تصلنى دعوات يومية لتدبر معانى القرآن.. تصلنى فقط دعوات لارتداء الحجاب.. لا تصلنى دعوات لفهم الأحاديث الصحيحة والعمل بها.. تصلنى فقط دعوات لارتداء الحجاب.. لا تصلنى دعوات للعمل بروح الإسلام وتنمية المجتمع.. تصلنى فقط دعوات لارتداء الحجاب.. مع إنى محجبة من أكتر من 15 سنة..
لكن كل يوم تصلنى دعوات لارتداء الحجاب.. واختصرنا الإسلام كله كما اختصروه فى الخارج فى قطعة من القماش.. أهم من أخلاق اللى لبساه وأهم من أخلاق اللى ماشى جنبها..مع إننا لو بذلنا واحد على عشرة من المجهود اللى بيتعمل عشان نقنع الناس بالحجاب فى توعيتهم أخلاقيا ودينيا ونجحنا فى كده هم بعدها أوتوماتك هيهتموا بالمظهر اللى يناسب أخلاقهم وتدينهم وهيعملوه، وقتها بأخلاقهم قبل مظهرهم هيكونوا أثبتوا لنفسهم وللعالم عظمتهم وعظمة دينهم وبعدها يلبسوا كل اللى يحبوا يلبسوه وفى أى مكان فى العالم دون أن يتعرض لهم أحد.