لست خبيرا فى السياسة الأمريكية، ولكنى أعرف بعض الشىء عن المواقف المحرجة. ومن خلال مشاهدة طريقة رد فعل الحزب الجمهورى على تمرير قانون الرعاية الصحية، يبدو الحزب الجمهورى بالنسبة لى منتهكا للقاعدة الأولى الخاصة بالمواقف الحرجة: «عندما تكون فى موقف محرج لا تزيده سوءا».
نعم، أعرف أن استطلاعات الرأى توضح عدم تضرر الحزب الجمهورى بسبب استراتيجيته المتمثلة فى «قل لا فحسب».. ولكن من ناحية أخرى، ليست هناك قوة دافعة كبيرة تساير اتجاهه. وسوف يكون على الجمهوريين أن يأتوا بما هو أكثر من «قل لا فحسب على كل شىء، باستثناء خفض الضرائب والمزيد من المواقف الحرجة» للرد على مرشح للرئاسة موثوق به فى انتخابات 2012. ونوضح هنا السبب فى هذا:
إذا رجعنا إلى الخلف فترة كافية، يمكنا قول إن جورج دبليو بوش سار بثورة ريجان ــ بتأكيدها على التخفيضات الضريبية والتحرر من القيود والحكومة، باعتبارها المشكلة وليست الحل ــ إلى نهايتها المنطقية، بل وتجاوزها. ولكن مع العجز المتزايد وأزمات النظام المصرفى الذى تسبب فيه الإفراط فى التحرر من القيود، بلغت الريجانية ذروتها. وفى الوقت نفسه، سار الرئيس أوباما، بتمريره قانون إصلاح الرعاية الصحية، بثورة الاتفاق الجديد الخاصة بفرانكلين روزفلت إلى نهايتها المنطقية. ولن تكون هناك استحقاقات كبرى أخرى بالنسبة للأمريكيين.
بعبارة أخرى، أكمل كل من الحزبين رسالته الأساسية فى القرن العشرين، كما نص عليها فى البداية زعماؤه الأوائل المبدعون. والسؤال الحقيقى هو أى الحزبين سوف يبنى جسر أمريكا إلى القرن الحادى والعشرين.. إنه الحزب الذى سوف يعزز قدرتنا على المنافسة فى الاقتصاد العالمى، بينما يمارس مزيدا من التنظيم المالى الأشد إحكاما.
يحاول أوباما على أقل تقدير دفع أجندة من أجل السعى إلى تحقيق الحلم الأمريكى فى هذه الظروف الجديدة. وأنا لا أوافق على كل السياسات ــ إذ أود رؤية قدر أكبر من التأكيد على الابتكار والمشروعات التجارية الصغيرة الجديدة ــ ولكن من الواضح إنه يحاول. ولا يصلنى ذلك الانطباع من الجمهوريين، خاصة الذين يوجههم أتباع حركة حفل الشاى هنا وهناك.
تطرح الأوبامية أننا الآن نعيش اقتصادا عالميا يتسم بالتنافس المفرط، حيث سيكون البلد الذى بإمكانه تحقيق الازدهار هو ذلك الذى تجتمع لديه قوة العمل الأكثر تعليما وإبداعا وتنوعا مع وجود أفضل بنية أساسية-الموجة العريضة، والموانئ والمطارات والسكك الحديدية عالية السرعة، والحكم الرشيد. وحيث إننا فى عالم يعانى من الاحترار المناخى، ويزيد تعداده من 6.8 مليار شخص ليصل إلى 9.2 مليار فى عام 2025، فسوف يمثل مطلب الطاقة النظيفة قمة الأولويات. ولذلك سوف تصير تكنولوجيا الطاقة هى الصناعة العالمية الكبرى المقبلة.
بذلك تكون المسائل التى تهتم بها الحكومة كما يلى. تحتاج الحكومة إلى تحفيز المشروعات التجارية على بناء مصانعها المقبلة داخل البلاد ــ فى الوقت الذى تنثر فيه كل الدول الأخرى الحوافز فى طريقهم؛ وتحتاج إلى تجنيد المهاجرين ذوى المهارات العالية، وتحتاج إلى وضع أعلى مقاييس للتعليم الوطنى وتمويل البحوث الأساسية، وتحتاج إلى النص على ضوابط صحيحة للطاقة من شأنها تحفيز المزيد من شركات التكنولوجيا النظيفة. وسوف نحتاج إلى دفع ثمن كل هذا من خلال رفع بعض الضرائب وتخفيض بعضها الآخر بشكل متزامن ومن خلال إلغاء بعض الخدمات من أجل تغطية ما نحتاج إليه من استثمارات فى البنية الأساسية والتعليم ــ الأمر الذى لم يخط باتجاهه حتى الآن أى من الديمقراطيين أو الجمهوريين على السواء. ولا يمكنا اعتبارا من الآن إنجاز شىء مع الحزب الجمهورى الذى يريد تخفيضات ضريبية ولكنه لم يحدد أبدا أى الخدمات ينوى التخلى عنها، أو الحزب الديمقراطى الذى يرغب فى إضافة خدمات من خلال فرض الضرائب على الأغنياء فقط.
وقال إدوارد جولبرج، الذى يدرس التجارة الدولية فى كلية باروخ، ومؤلف كتاب حول العولمة وسياسة الولايات المتحدة: «كانت الرعاية الصحية آخر أعمال الاتفاق الجديد. وسوف يتطلب القرن الحادى والعشرون أن يكون وراء أى شىء نحلم به مزيج من التخفيض والاستثمار والابتكار وروح المبادرة». وأضاف ببساطة أن الحكومة ليست الحل: «عندما نخوض أربع حروب بشكل أساسى ــ العراق وأفغانستان والكساد الكبير وإعادة تنظيم الاقتصاد الأمريكى» ــ فإن الأمر يبعث على الضحك. فلابد للحكومة الذكية أن تكون القائد أو الشريك الصامت فى كل هذه المشروعات.
وأحد أسباب فشل الحزب الجمهورى فى إيجاد أجندة للقرن الحادى والعشرين هو أن العولمة أدت إلى تشظى الحزب. فجناج وول ستريت ــ الشركات الكبرى متعددة الجنسيات هو الذى يفهم أننا نحتاج إلى الهجرة والتجارة الحرة والتكنولوجيا النظيفة والدعم الحكومى لبنية أساسية أفضل والبحوث العلمية، التى تعد مصدرا للابتكار. ويعارض جناح حفل الشاى عمليا كل هذه الأشياء. وكل ما يوحد الجناحين هو الرغبة المشتركة فى خفض الضرائب ــ لفترة.
أضعفت العولمة كذلك أصحاب الياقات الزرقاء ــ ذوى الأصول النقابية من الديمقراطيين، ولكن الديمقراطيين استوعبوا مناصرين جدد خلقتهم العولمة ــ وهو ما أطلق عليه جولدبرج حكم المشروعات الجديدة newcracy ــ وهم يضمون مديرى الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، ومنظمو الأعمال التكنولوجية ومهندسيها، وأعضاء حكم أصحاب الكفاءات meritocracy».
فيما مضى، كان أعضاء حكم المشروعات الجديدة هؤلاء يميلون إلى الجمهوريين، ولكن كثيرين منهم يميلون الآن إلى أوباما. فهم لا يوافقون على كل شىء يقترحه، ولكنهم يشعرون أنه يعمل من أجل ذلك الجسر الموصل إلى القرن الحادى والعشرين، بينما اليوم الحزب الجمهورى ــ حركة حفل الشاى ليس ضمن اللعبة فحسب. فاليوم ليس لدينا حزب معارض حقيقى له مساره الخاص به إلى القرن الحادى والعشرين.. إن لدينا معارضة فحسب.
The New York Times