الـرأس والجسـد - غادة عبد العال - بوابة الشروق
الخميس 19 ديسمبر 2024 12:46 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الـرأس والجسـد

نشر فى : الخميس 14 أبريل 2011 - 10:14 ص | آخر تحديث : الخميس 14 أبريل 2011 - 10:14 ص

 النخبة، ائتلاف، شرعية ثورية، ثوار، فلول، ثورة مضادة، كلمات ومصطلحات بعضها لم نسمع عنه من قبل، والبعض الآخر قرأناه فقط فى كتب التاريخ، لكنها أصبحت الآن مصطلحات تجرى على ألسنتنا بسلاسة كل يوم، خلينا فى أول مصطلح، النخبة، أى المثقفين، المفكرين، أصحاب الرأى، بتعبير عادل إمام فى مدرسة المشاغبين هما المخ وإحنا العضلات، هم الرأس وبقية أفراد الشعب هم الجسد، وعندما يبعث الرأس بإشارات معينة للجسد، لابد وأن يتحرك الجسد فى نفس الاتجاه الذى يوجهه له الرأس، هكذا علمنا علم الفسيولوجى، أما إذا حدث العكس فهذا دليل دامغ على وجود مشكلة فى أحد الطرفين، إما فى الرأس وإما فى الجسد، وأحيانا فى كل منهما.

قبل الاستفتاء انحاز معظم النخبة لاختيار «لا»، اختاروه وبشروا به ودافعوا عنه دفاعا مستميتا، استخدموا الفنانين ومشاهير الإعلام، وحذروا من خيانة دم الشهداء، المتوقع والمنطقى كان إننا نشوف الرأى العام كله وهو بيتبع النخبة ورأيهم، لكن اللى حصل العكس، وتم محاولة تفسيره ده من البعض على إنه «غباء» من بقية أفراد الشعب اللى انضحك عليهم من أنصار «نعم» باسم الدين، بينما وصل البعض الآخر لأسباب أخرى غابت عن أذهان النخبة، منها التعالى على الرأى العام، استخدام مصطلحات غير مفهومة لرجل الشارع، إهانة معتقدات المختلفين معهم فى الرأى، كل الأسباب دى أدت لخسارة النخبة لمعركة الاستفتاء، لكن هل تعلمت النخبة من درس الاستفتاء؟ للأسف لأ، كل يوم دلوقتى لسه باشوف وباسمع إشارات تدل على اتساع الهوة يوم ورا يوم بين الرأس والجسد (اللى ما بيتمثلش فى أعضاء مليونيات التحرير، لكن بيتمثل فى رجل الشارع العادى اللى تأثيره هيبان فى استفتاءات وانتخابات قادمة مش من مصلحتنا إنه يسد ودانه وقتها عن نصائح وتحليلات النخبة ويتخذ قراره بعيد عنهم)، كان المفروض أسلوب الخطاب اللى بيوجه له يختلف، كان المفروض محاولات الاقتراب منه تزيد، لكن للأسف ما زال المثقفون والمفكرون والنخبة بيكرروا نفس غلطاتهم بل وبيزيدوا عليها غلطات، لسه البعض منهم مثلا بيكتب مقالات ويطلع فى برامج يؤكد فيها على غباء رجل الشارع وكأن رجل الشارع ده ماشى طول عمره فى الشارع حواليه دوشة فمش هيسمع إهانته بودانه أو إنه أغبى من إنه يفتح جريدة أو يشترى تليفزيون، لسه المعظم داخل فى حرب تريقة واستهزاء من مشاعر الناس الدينية واعتراض على استخدام أى حد لآية قرآنية فى كلامه بطريقة تنفر رجل الشارع من مستخدمها أكتر ما تقربه منه، لسه النخبة بيروحوا يتكلموا فى مصر الجديدة والزمالك وصالون الأوبرا والجيزويت وما فيش حد فيهم مستعد يتكلم فى زفتى أو فى طهطا أو المنيا أو أسيوط، النخبة بيتكلموا عن الإخوان المسلمين والسلفيين ويصولوا ويجولوا فى تأليف النكت ورسم الكاريكاتيرات لكن رجل الشارع بيلتفت فيلاقى الإخوان عاملين ندوات فى حيه والسلفيين بيصلحوا إشارة مرور عطلانة فى شارعه والفريقان يجمعوا التبرعات وبيطعموا الفقراء وبينزلوا يسلموا بإيديهم عليه كل يوم، فيدرك أن النخبة بيتكلموا وبس والإخوان والسلفيين بيشتغلوا بجد فطبيعى مشاعره هتتجه ناحية الناس اللى بيخدموه، النخبة بيتكلموا فى التليفزيون عن نسبة العمال والفلاحين، مش بطريقة قانونية واضحة ومقنعه بل بطريقة مهينة ومتعالية، تخلى رجل الشارع اللى لا هو عامل ولا هو فلاح مش طايق يسمع كلامهم عن الموضوع، النخبة بيتكلموا عن الديمقراطية والليبرالية والرأى والرأى الآخر فى نفس الوقت اللى بيسمعهم فيه رجل الشارع بيدعوا لإقصاء تيارات ويثيروا شائعات غير مقرونة بأدلة عن تيارات ويطالبوا بحبس أتباع تيارات أخرى، النخبة بيتكلموا عن الإصلاح الدستورى والشرعية الثورية والأحزاب وبينسوا يترجموا تأثير ده على رغيف العيش ومدارس الأولاد وجواز البنات وعلاج التأمين الصحى والمعاشات، النخبة بيتكلموا، بيتكلموا كتير، لكن بيكلموا مين؟ وإزاى؟ هو ده السؤال اللى لازم كل واحد بيعتبر نفسه من «النخبة» يسأله لنفسه كل يوم الصبح، ولحد ما يلاقى إجابة، هنفضل مفتقدين الصلة الحيوية بين الرأس والجسد.

التعليقات