القمع الذى صار حلم الوطن - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القمع الذى صار حلم الوطن

نشر فى : الأحد 14 يونيو 2015 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 14 يونيو 2015 - 9:10 ص

ربطتنى بها صداقة عميقة دامت سنوات. فرقتنا دروب الحياة لكنها عادت للظهور معلقة على ما ينشر لى من كتابات. كانت بالنسبة لى دليلا حيا على أن ما يصدمنى من آراء، لا يصدر بالضرورة عن «لجنة إلكترونية»، احترف موظفوها استهداف شخصيات بعينها، مرة بهدف تشكيك الناس فيما يكتبون، ومرات بغرض تشكيكهم فى أنفسهم.

قراءة ما تكتبه من تعقيبات كانت مرعبة. أفهم الخلاف فى الرأى بين من يعتقدون فى ضرورة أن يكون لنا رؤية وخطة وأهداف واضحة، وأن السير خبط العشواء سينتهى حتما إلى كارثة، وبين الذين يعتقدون فى قدرة الفرد، ويرون أن الله عندما يرضى عن شخص ما، ييسر له مقاصده ونواياه. فإذا بالحال ينصلح من تلقاء نفسه، وإذا بمصر تنهض وتسود الدنيا. هم يؤمنون بالبركة سواء أكانت بركة الحاكم المؤمن أو الحاكم الوطنى. أهى بركة والسلام.

افهم الخلاف ولا يزعجنى. ما لا أفهمه هو أن نختلف حول انتهاك كرامة الإنسان، والتعذيب، والاعتقال العشوائى، وعدم احترام القانون، وتغول أجهزة الأمن.

تعليقاتها كانت نموذجا لتوجه فى الرأى العام أحسبه تخلى عن الفطرة ونأى عن التعاطف مع قيم كنت أحسبها بديهية ولا خلاف عليها. لم أفهم وما زلت لا أفهم كيف يمكن لإنسان أن يتغاضى عما يجرى من انتهاكات فى أقسام الشرطة والسجون والمعتقلات، أو عن وقائع التعذيب الثابتة بحكم تقارير الصحف (الموالية قبل المعارضة) والجماعات المتخصصة فى رصد الانتهاكات، وعن الزج بالشباب فى السجون، أو عن الاختطاف القسرى، أو عن الموت خنقا أو بسبب «انخفاض الدورة الدموية» فى اماكن الاحتجاز وعربة الترحيلات.

المناخ الذى تمت «هندسته» فى مصر معادلته بسيطة، ونتائجه على المدى القصير والبعيد مجربة. عليك تضخيم حجم المؤامرات التى تحاك ضد «الوطن» واحيانا اختلاقها، ثم نشر كل ما يمكن فبركته من أكاذيب حول قوتك وانتصاراتك. أضف إلى الطبخة بعض التخوين وشىء من العمالة مع قدر لا بأس به من الشوفينية والوطنية (حسب المذاق) وأحكم الغطاء حتى لا يتسرب إلى الطبخة رأى مخالف وانتظر النضج. السواء السريع سيجعلك تعتقد بقدراتك كطاه. ولكن كلما زاد الضغط داخل الحلة، تنامى خوفك من كشف الغطاء. هنا سيأتى دور البركة. ادع الله أن يؤخر الانفجار ليتحمل مسئوليته من يأتى بعدك.

فى العامين الماضيين، خسرت أصدقاء وأقارب ازعجهم ما أكتبه ضد التعذيب والاعتقال وانتهاك الكرامة. لسبب لم أفهمه قط كانوا يربطون بين المطالبة باحترام حقوق الإنسان، وبناء مصر على قيم إنسانية وحديثة، وبين انعدام الوطنية، والانصياع وراء آجندات الكارهين لمصر: قطر وتركيا وأمريكا ودول الاتحاد الأوروبى والإخوان الذين أخضعوا العالم كله على ما يبدو بسطوة المال.

فى حالتها انعكس التوتر فى صداقتنا على تعليقاتها الحادة، وتجاهلها لرسائلى. وعندما زرت المدينة التى تعيش فيها أخيرا قررت لقاءها لأفهم كيف يمكن لها، هى بالذات، أن تنخدع بهذه البساطة وتتصور أن حلم الحرية والكرامة كابوس، وأن كابوس القمع هو الحلم.

وصلت إلى المقهى وجلست أمامى على المنضدة فى هدوء. نظرت فى عينى طويلا ثم انفجرت صارخة: إسمع.. انا وافقت نتقابل علشان عايزه افهم. طب التانيين اشتروهم، إنما انت بالذات!! انا مش مصدقة.. ازاى قدروا يضحكوا عليك؟!

التعليقات