فى السينما يمكن أن نعرف الكثير من أسرار التاريخ والسياسة، وتجعلنا نرى الأحداث فى تاريخها، والفيلم الذى نتحدث عنه اليوم هو من النوع الكوميدى الخفيف، لكن به بعض الحوارات القصيرة والمواقف السياسية التى صارت تاريخا ولا يمكن لأحد انكار الحقائق التى جاءت به. الفيلم باسم «عفريت عم عبده» عرض فى السادس عشر من ديسمبر عام 1953، ويعتبر بالتقريب أول فيلم مصرى احتفى بقدوم ثورة يوليو، وهو من إخراج وإنتاج حسين فوزى تأليف أبوالسعود الابيارى، تمثيل إسماعيل يس، وحبايب وشكرى سرحان، ومحمود المليجى وهاجر حمدى فى آخر افلامها، والسيد بدير الذى قام بدور عم عبده، ومن العنوان يتضح أننا أمام فيلم فانتازى، به عفاريت، وأشياء مماثلة، مثل اغلب أنواع الأفلام الخيالية فى السينما المصرية التى تدور اغلبها فى بيوتنا التى نسكن فيها، وعم عبده فى الفيلم هو الرجل الذى يحلم بإصدار جريدة باسم «أخبار بكرة»، أى ان القارئ سيطالع أخبار الغد فى صحيفة اليوم، ولن يمكن لشخص أن يكتب فى هذه الصحيفة الا اذا كان من العفاريت، وسوف يحدث هذا لعم عبده بعد أن يموت على يدى أحد الاشخاص، فيظهر عفريته الذى يقرر الانتقام من القاتل، بسر ويبدأ بمساعدة اثنين من المحررين الشباب على تحرير الجريدة، ومدهم بأخبار الغد.
والموضوع حسب معلوماتى صار مصدر اهتمام الصحافة فيما بعد، وهناك مجلة فرنسية باسم لو نوفيل اوبسرفاتور «كان لديها باب ثابت باسم «حدث غدا» وقد استعار مصطفى أمين العنوان نفسه لبعض الوقت فى جريدة الأخبار، كما أن مجلة الهلال خصصت بابا علميا فى الثمانينيات باسم «العالم غدا».
أما السياسة فإن الفيلم الذى عرض فى نهاية عام 1953 أى بعد عام ونصف العام من قيام الثورة كشف لنا أن أسماء أخرى كان الناس يعرفون بها هذا الحدث مثلما جاء على لسان عم عبده الذى يأتى بأسرار الغد وأخباره، كأن يقول إن غدا سوف يقوم الجيش بحركة مباركة ضد الملك، ثم يضيف إلى كلامه أنه بالغد سيحدث الانقلاب العظيم. فإن تصوير الفيلم قد تم أثناء قيام ثورة يوليو، وأراد الفيلم أن يعبر أكثر من مرة عن امتنانه بهذا الحدث، فجاء عم عبده يبشر زميليه أكثر من مرة بأخبار بكرة أنه سوف يحدث الانفلاب الكبير ضد الملك، وسوف يكون الجيش هو صاحب المبادرة، وفى مرة أخرى فان عم عبده يقول ضمن أخباره إن الناس قابلت حركة الجيش بامتنان، وفرحة بعد التخلص من الملك.
هذا يعنى أنه حتى تاريخ عرض الفيلم فان المصريين كانوا يتعاملون مع الحدث باعتباره الانقلاب الكبير، أما قصة الفيلم، فهى لن تخرج عن الموضوعات التقليدية فى السينما فهناك رجل ترك لابنته الوحيدة وصية كى تبحث عن كنز من المال تركه لها خوفا من أن يقوم أخوه بتبديد الثروة، وما أن تكبر البنت حتى يقوم المحامى بتسليمها الوصية، ويبدأ العم فى منازعتها الحصول على المبلغ الذى تركه الأب، ويقوم عم عبده بمساعدة الصحفيين فى العثور على الثروة.
الفيلم ملىء بالأغنيات وأحداث هامشية كثيرة مثل التعارف بين حبايب والصحفيين التى تصورت أنهما سرقا نقودها القليلة، وأيضا الذهاب إلى مكان أثرى أخفى فيه الأب ثروته حتى لا يصل إلى مكانها سوى ابنته، وقيام العم الذى يجسده محمود المليجى بمطاردتها للحصول على الكنز.
ليس فى الفيلم بالمرة ما يوحى أننا أمام عمل سياسى» لكننا الآن يمكن أن نتعلم منه كفيلم تاريخى كيف كان ابناء الشعب يتعاملون مع الثورة، قبل أن يقوم الدكتور طه حسين بإعلان أنها ثورة، وقد استمرت الفترة عاما ونصف العام على الأقل، وهناك عدة نقاط فى الفيلم، فالمطربة حبايب التى يعلن الفيلم ان دار الهلال هى التى اكتشفتها، ترد الجميل للدار فى أحداث الفيلم وهى تشكر الدار على ما فعلته معها، وقد غنت هنا عدة أغنيات لا أعتقد أنها عاشت كثيرا، والغريب أنها قامت بالعمل أمام إسماعيل يس فى بطولة فيلم واحد هو «العمر واحد» قبل أن تختفى، اما هاجر حمدى التى كانت لها البطولة بدت كأنها فقدت رونقها بعد طلاقها من كمال الشناوى فابتعدت تماما عن الأضواء وتفرغت لتربية ابنها، وقد استطاع السيد بدير أن يتخلص من الشخصية النمطية التى كان يمثلها وهى عبدالموجود ابن كبير الرحمية ألا أنه لم يتخلص من الجلابية هنا وهو يقوم بدور الصحفى، وعليه فإن الفيلم لم يعش كثيرا فى ذاكرة الناس، لكن النسخة الكاملة منه موجودة على اليوتيوب تؤكد الأسماء الحقيقية لأحداث كبرى فى التاريخ المصرى الحديث.