من الذى جلب المحاكمات العلنية وجعلها متاحة بشاشات خارج قاعات المحاكم؟
من الذى تسبب فى التغيير الوزارى المرتقب فى حكومة شرف والذى من المفترض أن يقصى كل وزراء أمانة السياسات من المشهد؟ من الذى حقق تغييرا داخل وزارة الداخلية حتى لو كان غير مرض بعد؟ قطعا الشارع ولا أحد غيره.
لا أعرف لماذا يتجاهل أولئك الذين يلومون المعتصمين ويحملون اعتصاماتهم كل مصيبة هذه الحقائق. إنه لولا شارع يضغط، حتى لو بقدر من التصعيد المرفوض، لما تحقق شىء.
كنت أتمنى أن يضع اللواء الفنجرى فى بيانه الذى «أداه»، تحملا واضحا للمسئولية عن الأخطاء السياسية التى وقعت خلال الأشهر الماضية، وعن بطء الحركة، وبطء الإنجاز.
هل تعرف أننا بالأمس عدنا عند نقطة الإطاحة بحكومة أحمد شفيق، فما سمعته أمس الأول سواء من رئيس الوزراء، أو من المجلس العسكرى، من تعهدات ووعود هى فى الأصل المهمة الأساسية لحكومة شرف، ومعنى أن يعاد التعهد بما سبق التعهد به دون تفسير أسباب عدم الوفاء به خلال الشهور الماضية، هو من ناحية تقصير فادح، ومن ناحية أخرى، إهدار غير مبرر لأشهر الفترة الانتقالية دون إنجاز مباشر.
لا أعرف معنى أن تكون كل الخيارات مفتوحة أمام المجلس العسكرى، وما دلالة ذلك تحديدا، لكن ما أفهمه أن هناك خيارا وحيدا سينجو بهذا البلد، ويوفر له الاستقرار الذى يأمله، ويسمح له بالتقاط الأنفاس للنظر إلى المستقبل، وهذا الخيار يتلخص فى غلق ملف الماضى، وهذا الغلق لن يتأتى إلا بانجاز المحاكمات كاملة دون نقصان ودون تمييز لمتهم دون آخر، وأمام قضاة طبيعيين، وتفويض حكومة وطنية خالية من وجوه الماضى أيضا، أو الوجوه التى تربت فى أحضانه، لتسيير الأعمال بصلاحيات كاملة، وأن يتفرغ المجلس العسكرى لإدارة الحوار على شكل الدولة وطبيعة دستورها ونظامها القانونى.
أتعجب من دعوة المجلس العسكرى الناس كل يوم للهدوء والاستقرار، بينما كل الخيوط فى يديه، وأمامه خريطة طريق واضحة المعالم لجلب هذا الاستقرار إذا ما أنجزها بتوقيتات محددة ودون تصدير إحساس للناس أنه لا يرغب فى قطع الطريق على الماضى للتأثير على المستقبل.
يحتاج كل عضو فى المجلس العسكرى أولا أن يسقط مبارك من داخله، ما تعلمه منه وما قد يكون باق فى داخله من ولاء أو تقدير له، كما شارك مع الجماهير فى إسقاطه من المشهد وإزاحته من الحكم، فإذا كان هناك من قبل للرجل أن يدمر ما مضى ويعرقل وطنا ويسرق أعمار أجيال، فلا يجب السماح له من مقره فى شرم الشيخ أن يلغم لنا المستقبل، حتى لو كان لا يفعل شيئا حقيقيا، لكن يكفى وجوده بلا حساب، ولا عدالة، وبمزيد من الرفق والتمييز الإيجابى.
الطريق إلى جلب الاستقرار وفض الاعتصامات واضح ومعروف، لكن البعض يكابر عن السير فيه، ثم يضطر لذلك، وتذكر أن مطلب الحكومة الوطنية كان رئيسيا قبل أشهر، لكن هناك من قاوم و«قاوح» ثم رضخ فى النهاية إلى صوت العقل، فلماذا تهدرون الوقت.. وإلى متى سنبقى أسرى هذا العناد؟!