الجيش ليس خصمًا ولا يجب أن يكون - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:39 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجيش ليس خصمًا ولا يجب أن يكون

نشر فى : الأحد 14 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 14 يوليه 2013 - 8:00 ص

أيام تؤسس لتاريخ وأحداث تثمر أجيالا جديدة وصراعات تجدد ثقافة سياسية متجذرة..

 

●●●

 

أكثرنا لا يرى على البعد ما يراه آخرون يراقبون من مواقع لم يصل إليها العنف، عنف الكلمة وعنف الوعيد والمصير. أكثرنا معذور فخسائرنا فادحة وعذاباتنا رهيبة ورهانات البعض منا شريرة ولئيمة. أصبحنا نرى صورا متعددة للمشهد الواحد، ونختلف على تفاصيلها ودوافعها ثم يختار كل منا لنفسه من هذه التفسيرات والتبريرات ما يضاعف الأوجاع ويزيد الفروق ويوسع الشروخ، ويختار منها للعالم الخارجى ما يظن أنه يكسبنا عطفا أو دعما أو ربما أياما إضافية.

 

قلقنا على مصر له مبرراته.  ولكن الزيادة المفاجئة فى هذا القلق خلال الأيام الأخيرة، سببها أن عددا كبيرا من ذوى العقل فى هذه الأمة مقتنعون بأن أطرافا فى ساحات الاشتباك السياسى والدموى تسعى مدفوعة بطاقة مذهلة للملمة الصراعات الناشبة فى المجتمع وتجميعها، وبمعنى أدق، تركيزها فى صراع دموى أوحد. لاحظت، ولاحظ آخرون معى، أن نوايا عديد الأشخاص والجماعات انعقدت على وضع صيغة لهذا الصراع تحمل عنوان صراع القطبين أو العملاقين، صراع ثنائى يجرى حاليا تركيب مكوناته وأجزائه. جار أيضا حصر حلفاء كل قطب من القطبين. أما القطبان اللذان استقرت النوايا عليهما فهما الإخوان المسلمون والجيش.

 

إن صح هذا التقدير، ولا أتردد فى القول إنه يحظى بتفهم واسع وقلق متزايد، فمستقبل الأيام تنتظره أخطار رهيبة.  يكمن جانب من جوانب الخطورة فى أن هذا الطرح لاحتمالات تطور الصراع الدائر حاليا فى بلادنا يساوى بين جماعة دينية أو دينية سياسية أو دينية سياسية ومحلية  دولية، وبين جيش يمثل، شاء أكثرنا أو أبى، الدولة المصرية.

 

●●●

 

أرفض جهود تصوير الصراع الناشب فى مصر حاليا بأنه صراع بين جيش فى دولة اجتهد مفكروها وعدد غير قليل من سياسييها ونشطائها لنقلها إلى مصاف الدول الحديثة وبين جماعة متهمة حقا أو ظلما بعدائها لمفهوم الدولة الحديثة، أيا كانت مبررات هذا العداء. أرفض هذه الصورة، وأرفض الممارسة الفعلية القائمة عليها فى الشارع والساحة السياسية، لأنها تصنع أوهاما، وتخلق شياطين، وتقزم ثورة شعبية، وتطيح  بأحلام وتطلعات ملايين الكادحين والفقراء وأصحاب المصلحة الأصليين فى هذا الوطن.

 

بعيون ترفض أن تصدق مساعى طرف من طرفى هذا الصراع،  وأقصد «الجماعة»، تحاول من ناحية إنكار أنها أقلية فى شعب غاضب عليها كاره لها منذ كشفت عن نيتها أن تصبح «المجموعة الحاكمة» بعد تصفية غيرها من المجموعات. تحاول أيضا إثبات أنها ليست أقل قوة من أقوى مؤسسات الدولة حين اختارت الجيش خصما أوحد. استندت إلى أنها مكون رئيسى فى «كل» عالى المكانة والقوة المادية والانتشار الخارجى وهو التنظيم الدولى للإخوان، واستندت إلى ما تعتقد أنه دعم واضح وممتد وغير قابل للتخاذل من الولايات المتحدة الأمريكية. أدركت باتصالاتها المبكرة وبإيحاء من كتابات وتنظيرات مراكز العصف الفكرى وبعض النابهين من الوسطاء ووكلاء أجهزة النفوذ أن الولايات المتحدة كدولة أعظم جنحت إلى الإسلام السياسى كبديل لأحزاب ونخب ليبرالية وتقدمية حكمت دولا فى الشرق الأوسط ووسط آسيا وفشلت. اعتقدت الجماعة أن أمريكا لن تتخاذل فى دعم إخوان مصر فتهز استقرار أنظمة حكم أقامتها  أو ساهمت فى إقامتها  فى دول أخرى.

 

●●●

 

نفهم أن الجماعة تريد أن تظهر فى هذا الصراع كطرف مساو للجيش، وهذه مخاطرة لا يقدم عليها إلا طرف توصلً بحكمة قادته أو انفعالهم وسوء تقديرهم إلى أنه لا حل لأزمته فى، أو مع، النظام السياسى المصرى إلا بالانتصار الحاسم على الخصم، أى على المؤسسة العسكرية المصرية كخطوة ضرورية وكافية لإعادة بناء الدولة على «نمط إخوانى». لا يهم الآن إقصاء النخب الليبرالية وإضعاف مؤسسة الأزهر وإعادة فرز أو أخونة السلطة القضائية والقطاعات الأساسية فى البروقراطية المصرية، فكلها، فى نظر الإخوان مرشحة للانفراط  ذاتيا فور تحقيق الانتصار على «الخصم الأعظم».

 

●●●

 

مخطئون فى الجماعة، فالانتصار فى هذه المواجهة مستحيل. يمكن جدا ، فى أسوأ الاحتمالات، أن يرسم طرف أو آخر دولى أو عربى أو مصرى، مشاهد بينها سيناريو المواجهة الممتدة لشهور وربما أعوام، ولكن غير ممكن، إلا لمعتوه، أن يحلم بتحقيق انتصار سياسى أو عسكرى حاسم وقاطع من جانب جماعة الإخوان المسلمين على الجيش المصرى. الأسباب عديدة منها مكانة هذا الجيش فى منظومة الثقافة السياسية المصرية وحاجة الغرب، بخاصة أمريكا فى اللحظة الراهنة، إلى الجيش، إلى هذا «الجيش» بالذات، وليس إلى تشكيلات أو ميليشيات مسلحة.

 

●●●

 

مخطئون أيضا فى الجيش. أخطأوا حين سمحوا لطرف يدعى الخصومة ويسعى لتصعيد المواجهة  لتأخذ شكل الصراع بين طرفين غير متساويين فى القدرات. كان حلم الجماعة أن تكون صورتها فى الخارج، وفى الداخل إن أمكن، صورة طرف غير متساوى مع الطرف الآخر فى القدرات، ولكن متقارب أو متساوى فى الأهمية. الهدف هو أقلمة الصراع ثم تدويله بالسرعة القصوى وفى الوقت نفسه صبغه بصبغة صراعات الوجود والصراعات الصفرية أى انتصار كامل مقابل هزيمة كاملة، وفى النهاية دفع المجتمع الدولى ليتدخل متسلحا بشرعية دولية تعترف للجماعة وتنظيمها الدولى وفروعها فى أنحاء العالمين العربى والاسلامى بحقوق يضمنها القانون الدولى وترعاها الدولة الأعظم.

 

●●●

 

لا أمل فى مرحلة انتقالية سلمية وواعدة إلا بتغيير جذرى يطرأ على أسس جماعة الإخوان وهياكلها ونظام القيادة واتخاذ القرار فيها لتستحق مكانا ودورا فى الحياة السياسية المصرية، ولتصير حزبا كبقية الأحزاب السياسية، وتتوقف عن الاعتقاد أنها «جماعة فوق الدولة» أو أن قيادتها تستحق أن تلعب دور «مجلس وصاية على الأمة». من ناحية أخرى لا بد من أن يؤكد الجيش، ويعيد التأكيد، على أنه لن يعود مرة أخرى لاعبا فى ساحة السياسة إذا التزم الإخوان أن يمارسوا نشاطهم كحزب سياسى مصرى تحت مظلة الدولة وليس من خارجها أو من فوقها.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي