درجنا على اعتبار السعادة نسبية. ظللت أعتقد فى صحة هذا القول حتى جاء تقرير للأمم المتحدة هذا الأسبوع بمفهوم جديد مختلف تحت مسمى «السعادة القومية الإجمالية» ليقلب الموازين ويضع معايير محددة للسعادة وفقا لها طلع علينا بقائمة للبلاد الأكثر سعادة فالأقل. جاءت على رأسها الدنمارك وتذيلت بنا نحن المصريين وإخوة لنا فى أفريقيا مثال بنين وتوجو وبوروندى!
فكرة السعادة القومية الإجمالية Gross National happiness فى الأصل هى فكرة خطرت فى بدايتها لملك آسيوى لمملكة صغيرة ترقد تحت أقدام جبال الهملايا فى جنوب آسيا تغلق حدودها عليها الصين والهند اسمها بوتان Bhutan. أعلن عنها إثر توليه مقاليد الحكم رغبة منه فى أن يلفت نظر العالم إلى مملكته الصغيرة التى بدا راغبا فى تحديثها والانتقال بها إلى درجة أعلى مختلفة فى سلم التطور العالمى. راقت الفكرة كثيرون فى العالم الغربى فبدأوا دراسة تلك الظاهرة وإضافة معايير جديدة للسعادة إليها لقياس ما الذى يجب أن تكون عليه سعادة الشعوب؟ العمر الطويل، الصحة الأفضل، الخدمات التى تقدمها الدولة للمواطنين، الاشتراطات البيئية السليمة، المعايير الاقتصادية ومستوى الدخول، الرعاية الاجتماعية، الحرية السياسية وديمقراطية القرارات... وغيرها من معايير الحياة صاغتها الأمم المتحدة فيما أسمته معامل قياس السعادة على الكرة الأرضية Happy Planet Index. الدراسة هذا العام شملت 156 دولة من دول العالم جاءت الدنمارك على رأس القائمة ولحقت بها السويد والنرويج وسويسرا وايسلندا وهولندا وفنلندا. يبدو أن «سعادة» الأمم المتحدة. تفضل بلاد الصقيع والجليد لذا جاءت سعادة «مجمدة». أذكر ان أعلى نسبة انتحار فى العالم فى البلاد الاسكندنافية وانهم يلجأون لإضاءة مصابيح خاصة لتعاونهم على الهرب من ملاحقة كآبة النهارات المظلمة هناك فهل كان هذا محل اعتبار عند قياس درجات سعادة البشر هناك؟
معالم سعادة مواطنى إسرائيل بدت واضحة فى المركز الحادى عشر متفوقة على اصدقائها الأمريكان الذين جاء ترتيبهم السابع عشر بعد المكسيك وبنما!
أما بين العرب فقد احتلت الإمارات العربية المركز الرابع عشر عالميا والأول عربيا متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية تلتها سلطنة عمان وقطر فى المركزين الثالث والعشرين والسابع والعشرين. أما السعودية والكويت فقد احتلتا المركزين الثانى والثلاثين والرابع والثلاثين.
جاءت «سعادتنا» تتعثر فى خطاها على استحياء فى المركز المائة وثلاثين من مجمل مائة وستة وخمسين دولة.
كم من الجهد بذل فى ذلك التقرير وكم كانت ميزانيته وتحت أى بنود الإنفاق سجلت؟ مازلت أعتقد أن السعادة أمر نسبى تختلف من إنسان لآخر ومن شعب لآخر وانها مفهوم إنسانى خاص لا يمكن أن يخضع لمعايير تضعها هيئات.
أما ما أعتقد فيه بشدة فهو ضرورة إعادة النظر فى دور تلك المنظمات الدولية ومراجعة أدوارها الفعلية ونشاطاتها وفاعليتها ومواقفها من مشكلات العالم الحقيقية.